بغداد: فرح الخفاف
بعيداً عن البحث في أسباب رفض قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية وإشكالياته السياسية والجدل الدائر بشأنه، قدر مختص بالشؤون المالية خسارة السوق العراقية بأكثر من 15 تريليون دينار جراء القرار. يأتي هذا في وقت حددت فيه اللجنة المالية النيابية الخسائر الاقتصادية والخدمية جراء إجهاض مشروع القانون. وقال الخبير ثامر العزاوي لـ “الصباح”: إنَّ “أكثر من 30 تريليون دينار ستبقى حبيسة الجدران من دون الإفادة منها جراء رفض المحكمة الاتحادية العليا إرسال الحكومة مشروع قانون الدعم الطارئ».
وأضاف أنَّ “أكثر من نصف هذا المبلغ كان مقررا له أن يدعم السوق العراقية والاقتصاد الوطني بشكل مباشر او غير مباشر، خاصة أنَّ عشرة تريليونات منه كانت ستخصص لمشاريع التنمية في المحافظات”، مبيناً أنَّ هذه المشاريع تشغل عشرات آلاف من الشباب العاطل عن العمل، فضلاً عن المعامل والمصانع والتجار والمستوردين».
وتابع العزاوي: “رفض القانون معناه تعرض الاقتصاد العراقي لهزة تضاف لما سبق من أزمة روسيا وأوكرانيا وقبلها فيروس كورونا”، موضحاً أنَّ “العراق سيخسر فرصة مهمة لاستثمار ارتفاع بيع النفط الخام في الأسواق العالميَّة، لا سيما أنّه لا يوجد أي أمل بإقرار موازنة 2022 مع استمرار الأزمة السياسية ومرور نحو 6 أشهر من السنة المالية».
معالجة التحديات الاقتصاديَّة
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قد قال: في بيان له الأحد الماضي: إنّ الحكومة - كحكومة تسيير أعمال يوميَّة- وفق الدستور، قد سبق أن قدّمت إلى مجلس النواب الموقر قانون “الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية”، بدواعٍ ملحّة؛ لمعالجة التحديات الاقتصادية التي فرضتها أزمة ارتفاع الأسعار العالمية؛ وذلك لتحقيق الأمن الغذائي، وتوفير السلة الغذائية، فضلاً عن تقديم الدعم العاجل لقطاع الكهرباء قبل حلول فصل الصيف؛ لمنع أي أزمة في إنتاج الطاقة، أو انقطاع للتيار الكهربائي في عموم العراق”، مبينا أنَّ “القانون كان من شأنه كذلك دعم الرعاية الاجتماعية؛ لحماية الطبقات الفقيرة والمعوزة إزاء الأزمة الاقتصادية العالمية، وتوفير الخدمات في المدن، وإتاحة فرص العمل للخريجين والعاطلين عن العمل، إلى جانب توفير الأموال العاجلة لدعم القطاع الزراعي”.
حرمان الشعب العراقي
في غضون ذلك، أكد رئيس اللجنة المالية النيابية حسن الكعبي، أنَّ “الشعب العراقي حُرِمَ من تسلم (11) حصة غذائية لـ (6) أشهر، كانت تخصيصاتها مضمونة بالقانون، فضلا عن خزين ستراتيجي لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية عالمياً». وقال في بيان له: إنَّ “ذلك أدى الى حرمان شعبنا من (8) آلاف ميغاواط من الكهرباء في الصيف اللاهب، في وقت يتمتع فيه غيرهم بنعيم التبريد والتكييف”، مبيناً أنَّ “إلغاء القانون أدى الى فقدان شريحة الفلاحين والمزارعين العراقيين زيادة مقدارها 100 ألف دينار لكل (1 طن) من الحنطة المسوّقة عن الأسعار للعام الماضي، فضلا عن حرمان الآلاف من العاطلين عن العمل والرعاية الاجتماعية من أبناء الشعب من (733) مليار دينار عراقي، كانت مخصصة لهم ضمن القانون».
وتابع أنَّ “ذلك أدى أيضاً الى حرمان (15) محافظة من (10) ترليونات دينار كانت ستصرف على أبنائها فقط وليس لمواطني دولة أجنبية وخصوصاً المحافظات المقدسة (النجف الأشرف وكربلاء المقدّسة)، إذ تمت زيادة موازناتها للضعف، ومحافظات (المثنى والديوانية وميسان وواسط وبابل) بزيادة موازناتها بـ 100 مليار دينار لكل واحدة منها عن موازنة تنمية الأقاليم”، موضحاً أنَّ “العراقيين سيحرمون من إنشاء وتأهيل مئات المستشفيات والمدارس في عموم المحافظات، ومن 500 مليار دينار لتأهيل الطرق الخارجية وبما يسمى طرق الموت التي تحصد الآلاف من الضحايا الأبرياء منهم سنوياً”.
المحافظات المنتجة للنفط
وتابع الكعبي أنّ “إلغاء القانون سيحرم كذلك ذوي الشهداء من 300 مليار دينار كانت مخصصة الى مؤسستي الشهداء والسجناء السياسيين”، مشيراً إلى أن “هذا القانون خصص لأول مرة في تاريخ الموازنات (ترليون دينار) الى المحافظات المنتجة والمكررة للنفط (بترو دولار)، إذ إن البصرة كانت ستستلم ما نسبته 80 بالمئة من هذا المبلغ كونها أكبر منتج ومصدر ومكرر للنفط العراقي .
ولفت إلى أنّ “القانون اتاح استمرار العمل بصناديق الإعمار وخصوصاً (صندوق إعمار محافظة ذي قار) التي عانت الإهمال والتهميش من الحكومات السابقة”. من جانبه، أكد المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن قرار المحكمة الاتحادية العليا إلغاء قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية قطع الطريق أمام مطالبة حكومة تصريف الأعمال بتقديم مشروع قانون موازنة 2022. وقال صالح في تصريح نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع) وتابعته “الصباح”: إنه “أصبح من الجلي أنه لا يمكن السير في أي قانون قبل أن تستكمل السلطة التنفيذية كيانها الدستوري على وفق نتائج انتخابات 10/10/ 2021، فقرار المحكمة الاتحادية الأخير قد قطع الطريق حتى على مجلس النواب نفسه في مناقشة أي مشروع قانون ما لم يمرر على وفق السياقات الدستورية ومن حكومة تفرزها نتائج الانتخابات أعلاه، أي بما في ذلك الطلب إلى حكومة تصريف الأعمال بتقديم مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للعام 2022”.
آليَّات المعجِّل الاقتصادي
وأضاف أنّ “الانفاق الحكومي السنوي في الموازنة العامة يشكل قرابة نصف الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أن النشاط الاقتصادي يعتمد في ثقله الأكبر على الإنفاق الحكومي، والأهم في ذلك الانفاق الحكومي الإجمالي هو الشق الاستثماري من الانفاق الذي يحرك الطلب على موارد السوق الانتاجية وتحديداً سوق العمل والمهارات البشرية ويزيد في الوقت نفسه من نمو الدخل الوطني بآليّات يطلق عليها بـ (المعجّل الاقتصادي)”.
وتابع صالح: “ولكن تلك المعجِّلات الاستثمارية المهمة ترتبط لا محالة بقانون الموازنة للعام 2022 من خلال أبواب الانفاق الاستثماري المستحدثة والبرامج الاستثمارية الجديدة وليس بالصرف بنسبة 12/1 من المصروفات الفعلية الجارية في العام 2021، التي هي في الغالب ترتبط بإنفاق تشغيلي محدود التأثير في نمو الناتج المحلي الاجمالي”، منوهاً بأنَّ “متوسط الايرادات النفطية للعام 2022 يزيد بنسبة لا تقل عن 60 بالمئة من إيرادات الصادرات النفطية للعام 2021”.
وزاد بالقول: “ما يعني سيكون هناك احتياطي مالي كبير متوفر للدولة في نهاية العام، ربما يتخطى 40 مليار دولار في حال انتهاء السنة المالية الحالية من دون تشريع قانون للموازنة وتقييد الصرف بنطاق قانون الإدارة المالية الراهن، أي الصرف بنسبة 1/12 من مصاريف العام الماضي
الجارية”.