معنى الإغراق السلعي

اقتصادية 2022/05/19
...

 د. حامد رحيم
 
كثيرة هي المشكلات في واقعنا الاقتصادي، فتارة تكون واضحة للعيان يغطيها الإعلام ويشخّصها الباحث كالفساد والفقر، وتارة أخرى تكون غير واضحة ولا يرصدها الرأي العام على المنصَّات الإعلاميَّة او تكون الأضواء المسلّطة خافتة، ومع تفاعل الظاهر منها والخفي رسمت صورة النشاط الاقتصادي بكل تفاصيله ووصلنا الى ما نحن عليه الآن من سوء حال. يصنّف المتغيّر المشار إليه على المشكلات الخفية بالرغم من أن هناك تسويقا لهذا المفهوم، لكنّه غير صحيح ولا يدل على معناه الاقتصادي الدقيق، فالدارج “أن السوق العراقية الداخلية تتعرّض إلى إغراق سلعي عبر الكميات الكبيرة من الاستيرادات بأشكالها المختلفة”، وان كان الموضوع له واقع عملي، إذ إن نسبة التجارة الى الناتج المحلي الإجمالي بلغت نسب عالية مثلا 2012 كانت النسبة 67% ولسنوات عديدة تعدت 70%، ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن الصادرات يشكل النفط فيها 99% لأغلب السنوات، مما يعني أنَّ هناك خللا كبيرا لكنه يصب في خانة أخرى ليست الإغراق السلعي، أي أن دلالات هذه المشكلة تشير إلى أن (الانفتاح) التجاري قاد الى ظاهرة (الانكشاف) وهذه سببت (التبعيَّة) الاقتصادية أي ارتبط الأمن الغذائي وإمداد الطاقة وغيرها وتدفق الدولار الى داخل الاقتصاد بطبيعة الدورات الاقتصادية لدى الشركاء التجاريين بشكل كبير جدا، فضلا عن (المزاج السياسي لهم) ما يعني أن الحدث الاقتصادي الخارجي يدخلنا بنوبات تقلب (متطرّفة) في دورتنا الاقتصادية ولنتخيل مثلا لو قررت تركيا وإيران فرض حصار ومقاطعة تجارية لنا كما فعلت السعودية سابقا مع قطر لأغراض سياسية في ظل الأرقام الهزيلة للمخزون السلعي وفشل المواسم الزراعية وغيرها، ما حجم الكارثة التي ستحل علينا؟؟ وقد جرّبنا قضية تدفق الغاز المشغل لمحطات الكهرباء وتأثيره المباشر والشديد.
إذا كان زيادة الاستيرادات ليس إغراق بالضرورة، فما هو الإغراق؟ وهل يمكن إثبات وجوده الفعلي في الواقع التجاري الخارجي لنا؟، الإغراق هو عملية بيع ذات السلعة لذات المنتج بسعرين مختلفين في سوقين مختلفين أي ان هناك (تمايزا سعريا) وهو قرينة للخصائص الاحتكارية ويستخدم لأغراض متعددة منها إزاحة المنافسين والسيطرة على سوق معين. ويعد جريمة اقتصادية في العرف الدولي وقد نصّت معاهدة مكافحة الإغراق في منظمة التجارة العالمية على جواز فرض ضريبة معادلة على السلعة المستوردة، إذ تبث وجود إغراق.  إنَّ المشكلة في هذا المتغير أنه من الصعب على الباحث أن يقيس مقداره بالضبط لأنه (نشاط خفي)، ومن ثم نحن نحتاج جهد دولة لمعرفته وكشفه، ولكن المنطق يقود الى أن إمكانية وقوعه واردة جدا في ظل حجم الضعف والوهن الاقتصادي والسياسي، فالعجز عن مكافحة التهريب النفطي وغلق المنافذ غير الرسمية وعمليات التهريب المستمرة كلها دليل منطقي على إمكانية أن تمارس عملية الإغراق. ومن العوامل المحفز للإغراق هي القيمة العالية للعملة الوطنية تجاه الدولار، اذ سيعمد الشركاء التجاريون الى دعم منتجهم المحلي لخفض سعر السلعة المباعة بالدولار، ومن ثم تعويضه الفرق بعملتهم المحلية بالانتفاع من الانخفاض النسبي لقيمتها تجاه الدولار بالمقارنة مع قيمة عملة البلد المستورد، وبهذا يمكن أن نستنتج إمكانية مساهمة الإغراق في ظاهر تضخم التجارة الخارجية في العراق.