وليد خالد الزيدي
من الناحية الواقعيَّة أنَّ بلدا كالعراق لا يمكن أن يرزح تحت وطأة أية أزمة عالميَّة تهدد أمنه الغذائي، مع أنّها مسألة تطرح كثيراً، إذ يشهد القطاع الزراعي مشكلات عدة تعرقل مسيرته، لكنّها يجب ألا تكون سببا في إنهاء دوره كقوت للشعب ومصدر عيشه، لما ينتجه من محاصيل زراعيَّة تدخل كمائدة رئيسة لسكانه قديما وحديثا.
لو عدنا للظروف غير الطبيعيَّة في بلدنا لرأينا أن أبرز مشكلات الزراعة فيه نقص المياه لأنّها أساس بقية المشكلات، كملوحة التربة والتصحّر وقلة المساحات الصالحة للزراعة، ومن ثم خروجها من حسابات هذا القطاع الحيوي، كذلك مشكلة تخريب البنى التحتية لها أثر آخر في إيقاف عجلة تنميته، متمثلة بضعف الاهتمام بمشاريع الموارد المائيَّة، كالري والبزل وتنفيذ السدود وتأهيل خزانات المياه وإطلاقها في أوقات شح المياه الخاصة بالري واستصلاح الأراضي المستهدفة للزراعة، وعدم تحديث شبكات وجداول الري، وهناك معاناة أخرى كتهالك طرق المواصلات الخاصة بنقل وايصال الأسمدة والبذور للفلاحين، ونقل المحاصيل لسايلوات خزن الحبوب والتسويق، وضعف خدمة الكهرباء في المناطق الزراعية وارتفاع أسعار وقود مضخات مياه الري، وغياب التكنولوجيا المستخدمة فيه، وضعف الاستثمار الزراعي وهروب رؤوس الأموال الى الخارج.
ولا مناص من القول أن نتيجة ذلك أصبحنا نعيش في بلد يحتاج الى كل شيء، والى الاستيراد الخارجي لتأمين الغذاء للاستهلاك المحلي، فأغرقت السوق بمنتجات زراعيَّة مختلفة وبأسعار مخفضة، بلا دراسة أو بحث معمّقين يمكن أن يفضيا لاستباق حالة ارتفاع الأسعار عند حدوث أزمة اقتصاديَّة دوليَّة، ونحن لا نريد التطرّق الى تداعيات تردي الواقع الزراعي كتضرر الفلاحين وترك أراضيهم، وزيادة أعداد العاطلين لأنها نتائج عرضية، لكن المهم التركيز على أزمة الغذاء بحد ذاتها في بلدنا لأنّها مسألة كارثيَّة تتعلّق بمحاصيل ستراتيجية للأمن الغذائي كالحبوب بأنواعها الحنطة، الشعير، الرز والذرة الصفراء.
وبعيدا عن حرب روسيا وأوكرانيا التي عمّقت أزمة الغذاء كارتفاع أسعاره وتوقف إمدادات أوكرانيا من القمح للعالم، لنتحسس مقومات نجاح الزراعة في بلدنا باعتبارها عوامل طبيعيَّة جعلت من العراق علامة فارقة على مر العصور، واستنادا على تلك العوامل، نرى أن بلدنا أساسا هو بلد زراعي ففيه أول إنسان في تاريخ البشريَّة أنتج القوت وتفنن بالزراعة وعرف ببلاد ما بين النهرين، وسمي أرض السواد لتشابك أشجاره منذ القدم.
وأصبح ضروريا القول بالإمكان التخطيط لمواجهة التصحّر والملوحة بإنشاء سدود وخزانات لجمع المياه وإطلاقها بأوقات مناسبة، فمعظم كميات مياه الأمطار وذوبان الثلوج تنزل من الجبال وتأخذ طريقها الى حوض الخليج العربي، من دون فائدة، كذلك تمويل قروض توفير البذور والأسمدة والمكننة بأسعار مناسبة للمزارعين، ودعم رأس المال الزراعي، وإيجاد قطاع زراعي مربح ومنافس يحكمه اقتصاد السوق يقوده القطاع الخاص، من شأنه إنتاج محاصيل تسد الفجوة الغذائيَّة وتحقق الاكتفاء الذاتي وتقلل الاعتماد على الخارج، من ثم تفعيل سياسة دبلوماسية لإدارة المياه المشتركة مع الدول المتشاطئة.