ياسر المتولي
تحدثت في العمود السابق عن آثار التضخم على اقتصاديات الدول، وكانت الحصيلة تحذيرات دوليّة تستدعي الاهتمام، فاليوم، وقد ارتفعت سقوف التحذيرات التي ستواجه الاقتصاد العالمي برمته، إذ رافقت ظاهرة التضخم الملموسة، حالات ركود وكساد وانكماش تحدث لأول مرة في تاريخ الدول، أي دورة اقتصاديَّة كاملة في آن واحد تنذر بأزمة اقتصاديَّة عالميَّة محتملة ومتوقعة، ولك أن تتصور حجم الآثار التي ستخلفها.
تكمن خطورة هذه المرحلة لصلتها بعمق أزمة الغذاء الوشيكة، والتي باتت مؤشراتها تطفو على السطح للأسباب المعروفة التي ذكرناها في عمودنا السابق، والتي هي حصيلة تراكميَّة منذ أزمة كوفيد 19، مروراً بالأزمة الروسيَّة الأوكرانيَّة الممتدّة الى حدود غير معلومة .
السؤال الأبرز هنا هل أنَّ الاقتصاد العراقي في مأمن من آثار هذا الغول الرهيب الثلاثي، الركود والانكماش والكساد؟ وما السبيل للمواجهة؟.
للاجابة عن هذا التساؤل دعونا نتابع وبتحليل معمّق مجريات الأزمة الاقتصاديَّة المشتعلة والمتمثلة بركود وكساد وانكماش والمتوقع لها إحداث هزة قويَّة للاقتصاد العالمي وتفتيته، فمع اشتداد المواجهة الروسيَّة الاوكرانيَّة واستمرارها الى أجل غير مسمّى، واحتماليَّة تمددها لتشمل أوروبا بأكملها، وعلى الجانب الآخر الحرب الاقتصاديَّة المعلنة بين القطبين الرئسين اميركا والصين، وتوترات الدول، يتباطأ حجم النمو الاقتصادي في أغلب الدول، يرافقه تضخم محسوس جراء ارتفاع أسعار النفط، وتأثيرها على كلف انتاج الطاقة والنقل، والأهم انعكاسها على كلف انتاج الغذاء وتناقصه لأسباب مختلفة، منها الاحتباس الحراري وتناقص المياه وارتفاع أسعار انتاج الطاقة وتضخم أسعار الأسمدة والمكننة والشحن وانعكاساتها على المستوى العام للأسعار، والتي تفضي إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغيرها من العوامل الاقتصاديَّة المختلفة الأخرى وأهمها ارتفاع جديد في أسعار الغذاء .
أضف الى ما تقدم، الإجراءات الاحترازيَّة التي اتخذتها الدول ومنها وضع القيود التجاريَّة بايقاف تصدير السلع الغذائية من أكثر من ثلاثين دولة حول العالم كالهند وروسيا، وشروطها الإذعانيَّة لمواجهة الحصار الدولي، وأوكرانيا وظروفها العصيبة، ناهيك عن أنَّ الصين، وبحسب تقارير دوليّة، استبقت الأحداث وحزمت أمرها وقامت بمضاعفة خزينها الستراتيجي من البضائع والسلع الغذائيّة منذ ما يقارب السنة لمواجهة توقعات الحرب المقبلة مع أميركا تحسباً لأمن شعوبها الغذائي اذا ما طالت الحرب .
وهنا العبرة، إذ علينا مشاهدة كيف يتصرّف العالم مع الشدائد والمحن للمطاولة ومواجهة التحديات بكل أشكالها والتي وضعت نصب أعينها وأولويات اهتماماتها توفير الأمن الغذائي غير المستقر .
كل هذه المؤشرات تشير الى اهتمام دول عظمى بأهمية تأمين الغذاء، ولكن للأسف لم تلق هذا الاهتمام من قبل بعض الدول ومن بينها العراق .
ومن هنا نكرر الدعوة الى الإفادة من الوفرة الماليَّة المتحققة من ارتفاع أسعار النفط لتأمين الغذاء المهدد بالخطر، انطلاقاً من الدروس والعبر التي تفرضها المرحلة الحاليَّة المتمثلة بتغوّل ثلاثي الركود والكساد والانكماش ومدى مخاطرها على الأمن الغذائي العالمي .
أما السبيل الأمثل للمواجهة فتتقاسمه الدولة والمواطن، والدولة هي من تتحمّل العبء الأكبر في دعم الزراعة أولاً، وتفعيل القطاعات الانتاجية باعتماد الكفاءات العلميّة والخبرات المركونة في رسم سياسة الإنقاذ.
أما المواطن فتقع على عاتقه مسؤولية تغيير نمطه وسلوكه الاستهلاكي، والكف عن التبذير.. وعذراً للمواطن لأنَّ خطر المجاعة لا يحتمل، وهو المتضرر، نتمنى أن تكون هذه مرحلة وتمرُّ بتضافر الجهود .