محمد شريف أبو ميسم
أتيح لي في العام 2016 أن أطلع على أحد مشاريع زراعة المحاصيل الستراتيجية التي تعتمد على مياه الآبار في صحراء مدينة السماوة، وقد هالني ما رأيت لزراعة 1500 دونم بالحنطة والشعير والذرة الصفراء عبر عشرة آبار ارتوازية بعمق 150 مترا للبئر الواحد، حيث تتدفق المياه عبر طاقم الضخ في طريقها الى منظومات الري بالرش، وكأنّها آتية من نهر دافق.
حينها تساءلت عبر مقالي الأسبوعي في جريدة الصباح الغراء عن إمكانية استغلال المياه الجوفية في إقامة المشاريع في المناطق الصحراوية لتشغيل الشباب وزيادة الانتاج الزراعي باتجاه تحقيق الأمن الغذائي النسبي على أقل تقدير، ثم علمت من وسائل الإعلام عبر مصدر في وزارة الموارد المائيَّة فيما بعد، أن حجم المياه الجوفيّة الستراتيجي غير محدد بشكل دقيق، ولا يمكن استخدامه إلا في حالات الطوارئ لعدم إمكانية تعويضه.
وبعد أن أعلن عن نيَّة استثمار مليون دونم في صحراء السماوة لصالح رساميل يقال إنّها عربيّة ومثلها في صحراء الرمادي اعتمادا على المياه الجوفيَّة، أعيد الى الأذهان ذات السؤال، في وقت كانت وما زالت تتحدث فيه التقارير عما يمكن أن يتعرض له العراق خلال العشرين سنة المقبلة، بسبب مشروع الكاب التركي المتضمن إقامة 22 سدا على نهري دجلة والفرات وروافدهما في هضبة الأناضول، وفي مقدمتها سد (أليسو) العملاق على نهر دجلة والذي سيحرم 2.784 مليون دونم من الأراضي الزراعيّة العراقيّة من المياه، ويخفض الوارد المائي بمقدار 11 مليار متر مكعب، الأمر الذي ينذر بخطورة عالية، إذ يتوقع المؤشر العالمي جفاف نهري دجلة والفرات تماما بحلول عام 2040، فيما يدور الحديث هذه المرة، عما يملكه العراق من خزين مائي متجدد (يبلغ خمسة مليارات متر مكعب من المياه الجوفيّة يمكن تعويضه من خلال سقوط الأمطار، وان مياه الأمطار تسير نحو الهضبة الغربية من الدول المجاورة!).
ففي وقت يشدد فيه تقرير البنك الدولي الصادر الأسبوع الماضي على أهمية رفع الكفاءة في إدارة موارد المياه، وهو بصدد الحديث عن تحديات الأمن الغذائي الحالية في العراق في ظل انخفاض مستوى إنتاج الغذاء المحلي عن مستوى الطلب الناجم عن النمو السكاني السريع، يحذر من تفاقم الوضع جراء موجات الجفاف الشديد وعوامل تغير المناخ الأخرى.
وعود على بدء نعيد انتاج ذات السؤال بصيغة أخرى في ظل ما يسمى بحرب المياه، هل يمكن أن نحسّن إدارة المياه الجوفيّة في الهضبة الغربيّة إدارة وطنيّة تعتمد زراعة المحاصيل التي تتصف باستهلاك مائي قليل وتتحمل الظروف الصحراوية وتساعد على تثبيت الكثبان الرمليّة، بهدف تحقيق الأمن الغذائي وتشغيل الأيدي العاملة بعيدا عن التأثيرات السياسيّة؟.