ياسر المتولي
تتجه أغلب الدول النامية إلى القروض والاستثمارات العالمية بهدف معالجة اقتصاديتها الهشة، والسؤال المهم الذي يبرز هنا، هل القروض وسيلة لتحقيق النمو وخلق القيمة المضافة للاقتصاد، أم أنه فخ من قبل الدول الدائنة للاستحواذ على اقتصاديات الدول المدينة؟.
هنالك مبدأ للدول العظمى خلاصته أنها تتجه نحو تحقيق مصالحها ومكاسبها الاقتصادية، بغض النظر عن أي أهداف اسطورية، تخيل للبعض أنها في مأمن من التخلي عنها عند تحقق مصالح الدول العظمى في دولة اخرى .
وبهدف فهم هذه الحقيقية والافادة من مضمونها ولتعميق الثقافة الاقتصادية، تعالوا معنا لتحليل الظواهر الحديثة في أسس النظام الاقتصادي الجديد، الذي تسعى الدول الكبرى فرضه على العالم، وبنماذج واقعية من أرض الأحداث .
الحرب الاقتصادية التي تدور رحاها بين أميركا والصين، واحدة من وسائل الاستحواذ على منابع الثروة الرئيسة في البلدان عبر وسيلتين مهمتين للدول النامية أو الدول التي تحتاج الى تحقيق نمو اقتصاديتها وهما، أقصد الوسيلتين، القروض اولاً، والاستثمارات الخارجية في الدول المستهدفة ( ثانياً).
والفرق بين الدولتين (أميركا والصين) هو الاسلوب في التعاطي مع الدول المحتاجة، اما الهدف فهو واحد ويتمحور بالاستحواذ على ثروات البلدان .
إن الفرق في الاسلوب يتلخص في أن الولايات المتحدة، تفرض على البلدان التي تحتاج الى استثماراتها قروضاً مشروطة باصلاحات اقتصادية، وهدفها في المحصلة تسويق النظام الرأسمالي الحر كمنهج لاقتصاد البلد، اما الصين فإن قروضها ميسرة والهدف سباق للاستئثار بالنصيب الاكبر من ثروات البلد المستهدف. وفي كلا الاسلوبين، فإن المصالح هي العامل المشترك بين الدولتين، بمعنى أن أياً من القروض التي تخصص لبلد ما، ليس لأجل سواد عينه، انما لتحقيق مصالح الدولة المقرضة وكذلك تسري المفاهيم نفسها على الاستثمارات .
اذن. فكيف للدول النامية الذكية ان تتعاطى مع السياسة الاقتصادية الخهاصة بالدولتين ؟
بطبيعة الحال، التعاطي يتوقف على حاجة البلد من كل من الصين والولايات المتحدة الأميركية، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض المزايا والعيوب الفنية الانتاجية للتجربتين، اضافة الى فهم واقع العامل السياسي وهضمه بما يقي البلد أي آثار جانبية، والمقصود واضح هنا ولا يحتاج إلى توضيح .
ونرى أن أسلم حل للبلد الذي ينأى بنفسه عن النتائج الوخيمة لصراع القطبين، هو أن يوزع وينوع قروضه واستثماراته بينهما، فهذا المشهد يؤيد ما ذهبنا به في مقالات سابقة هنا، وفي هذه الصفحة منذ اكثر من عامين بتوقعنا من أن العالم يتجه إلى نظام اقتصادي جديد مختلف عما سبق، أي أن الصراع لم يعد بين معسكرين رأسمالي واشتراكي إنما بين قطبين متناحرين لقيادة النظام الاقتصادي العالمي الجديد لها الأهداف نفسها، ولكن بفرق في الاسلوب، وفي كلتا الحالتين فهو وضع اقتصادي بثوب جديد .