طلاب الهندسة يتحدثون عن كليتهم
في العدد 22 من جريدة الأهالي والصادر بتاريخ 24 كانون الأول 1958، نشر تحقيقٌ مع طلبة كلية الهندسة بعنوان "طلاب الهندسة يتحدثون عن كليتهم".. جاء في التحقيق:
ومن كلية الحقوق أخرج لأتوجه إلى كلية لها مكانتها في مرحلتنا الحاضرة إذ البلاد مقبلة على تقدم صناعي وإنشائي وهي سائرة نحو الازدهار والمجد الحضاري، هذه هي كلية الهندسة، وإذ أريد دخولها تتوقفني عند بابها ذكرة وأنحني إجلالًا لشهيدي الكلية موسى سليمان ورؤوف صادق الدجيلي حيث اختطفا من بين طلابها سنة 1949 ليحكما بالسجن عشر سنوات ثم يستشهد الأول في مجزرة سجن بغداد والثاني بمجزرة سجن الكوت سنة 1953، وإذ يرجع الشهيدان إلى كلياتهم يرجع الشهيدان بذكراهما الخالدة في قلوب الطلبة والشعب ويكون لهما بقاء دائمًا في سجل الكلية الذهبي.
ثم دخلت الكلية حيث كتب على بابها عبارة "كلية الهندسة" على الكاشي الملون مما يعيد إلى أذهانك مجد بغداد البنائي، وكانت مصادفة عجيبة أن ألتقي عند الباب بالزميل عبد الجبار شوكت سري عضو لجنة الطلبة ومن الطلاب الذين قضوا سنين من حياتهم في السجون ورجعوا إلى دراستهم بعد الثورة المجيدة، وقد قادني ممر ضيق مظلم إلى ممر مكشوف حيث النادي، تعرفت على اخوان جدد وجلست مع آخرين من الزملاء القدامى واعتذر الأخ عبد الجبار بوجود موعد له وغادرني مشكورًا ثم بدأت أتحدث إلى الطلبة وكان أول الغيث الزميل حسن علي البقال من الصف الثاني ميكانيك وكان السيد عبد الجبار قد قدمني إليه بأنني مندوب الأهالي، سأجلس معه وسآخذ منه حديثًا وأنشر اسمه وصورته في الجريدة ولم يكن الزميل بحاجة طبعًا، إلى هذا الإغراء ليبدأ حديثه معي على شكل تصريحات صحفية قائلًا: أبدأ حديثي بتقديم الشكر إلى وزارة التربية والتعليم لسماحها للطلاب بانتخابات ديمقراطية لاتحاد طلابي عام يجمع شملهم ويرعى مصالحهم وأدعو الطلبة للالتفاف حول المنظمة التي ستنبثق عن هذه الانتخابات، ثم شكا من قلة عدد الكتب المقررة، وعدم استطاعة كل طالب الحصول على الكتاب المقرر، ويضطر الطلاب على أن يجتمعوا ثلاثا ورباعا على كتاب واحد ليدرسوا فيه ثم استغرب من جسامة مبلغ التأمينات التي تستلمه الكلية من الطالب أثناء القبول إذ يبلغ 17 دينارًا بينما الكلية الطبية تأخذ 5 دنانير فقط، ثم أخذ السيد حسن علي البقال يتحدث عن جو الكلية وابتعاد الأساتذة عن الاختلاط بهم وهذا شيء غريب وخاصة في عهدنا الجمهوري الزاهر ورجائي أن تتوطد علاقات التعاون بين الإدارة والطلبة وأن يؤدي ذلك إلى تفهم مشاكل الطلبة من قبل الاساتذة تفهما طيبا، وقد شكر في نهاية حديثه جريدة الأهالي لاتاحتها له هذه الفرصة ليعبر عن ما يجول في خاطره، وبينما أنا منهمك في نقل حديث السيد حسن بالنص والترتيب، كان عدد آخر من الزملاء والزميلات يجتمعون حولنا في النادي وهو جميل منمق، متوسط السعة، له جدار زجاجي كامل من طرف الشمال، شفاف طبعًا يشرف على ملعب الكلية وقد اثنيت على جمال النادي فقوبلت باستغراب الجميع الذين شكوا ضيقه وانخفاض سطحه فأجبت بأنه مهما يكن فهو أحسن حالًا من نادي كلية الحقوق فتعالى الضحك والتعليق: وهل في الحقوق ناد.. إذا فهذا ما يدعوك للثناء، ولا أنسى بأن في صدر النادي صورة مكبرة لقائد ثورتنا وزعيمنا المحبوب عبد الكريم قاسم رسمها أحد طلاب الصف الأول في الكلية وأهداها للنادي، وهناك جهاز تلفزيون وهذا مما يسيل له لعاب طلاب بقية الكليات..
وبعد مجاملات قصيرة اندمجنا في حديث طويل اعتيادي مع الزملاء والزميلات، وساقنا الحديث إلى موضوع المكتبة حيث فضلت زيارتها وهناك قالت لي الآنسة سميرة رضاعة: هذه هي مكتبتنا إذ ترى بعينيك كونها ضئيلة الحجم والمحتوى وعدم سعة قاعتها للطلاب والطالبات والكتب قليلة وهناك مصادر لا تعار إلا نصف نهار لكثرة الطلب وقلة
العدد.
وفي المكتبة أيضًا قال لي السيد غياث الدين محمد بأنه لا يطيق الدراسة فيها رغم كونها مفتوحة الأبواب دائمًا لأنَّ جوها لا يشجع على ذلك وأنه يضطر مع كثير من زملائه أن يدرسوا في أحد المقاهي "عرب، البلدية، أو حسن عجمي" وتركت المكتبة بصحبة الزملاء والزميلات لنجلس مرة اخرى في النادي حيث بدأنا نستعيد بعض الذكريات مع السيد هاشم الأربيلي وهو أحد طلبة الكلية المناضلين وقد قضى في السجن عشر سنوات، وفي جولة الذكريات تحدثنا عن شهيدي الكلية واقترحت وضع صورتين لهما في قاعة النادي فأجاب بأنَّ لجنة الطلبة وهو عضو فيها، قررت إقامة تمثالين نصفيين يوضعان في صدر النادي ويخلد بهما ذكراهما العطرة.
ومرة أخرى نرجع إلى بحث مشاكل الطلبة وشؤون الكلية وبناية الكلية تكون في مقدمة المشاكل والتي كان انطباعي عن مبنى الحقوق يجعلني أثني على البناية أيضًا، في كلية الهندسة ولكن الآنسة أميرة بليط تعترض على ذلك وتقول: يجب أن تكون بناية كلية الهندسة أنموذجًا للبناء ولعلها تطبق في ذلك المثل الكردي القائل، ما أجمل الحذاء الذي يصنعه الحذاء لنفسه.
ثم تستمر الآنسة في سرد نواقص البناية قائلة: لا توجد قاعة للحفلات والمخاضرات والاجتماعات وأننا نذهب إلى كليات اخرى في مثل هذه الحالات وعند الحاجة إلى مختبرات، هذا عدا أن المطعم يقع في قلب القسم الدراسي والدخان ثم الأبخرة تتصاعد دائمًا لتزعج الطلاب وتقلق راحتهم ودراستهم "ولا أدري لماذا لا تقول – لتفتح
شهيتهم".
وتتحدث عن بقية نواقص البناية فالمرسم لا يفي بالمرام، ولا أخفي على القارئ بأنني ظننت المرسم هو محل الرسم الفني من زيتي وغيره، ولكنني فهمت القصد عندما استطردت: ولوحة الرسم غالية والأدوات تكلف أكثر من 10 دنانير، إذن فالمرسم هو محل الرسم الهندسي واخفيت جهلي ثم سألته، وما خطب الفن والرسم عندكم؟ فقيل لي: بأن هناك لجنة للرسم باشراف الاستاذ فرج عبو يؤمل منها تقديم مجهود فني جيد، ويعود السيد عبد الأمير عبد الكريم إلى بحث المرسم ويود تهيئة أساليب لحفظ أدوات الرسم ثم يتحدث عن المشاكل الكثيرة التي حس بها خلال الأشهر القليلة التي دخل فيها الكلية، فمشكلة الكتب وندرتها مرة اخرة ويتمم عياث الدين ويقول بأن هناك طلابًا يشترون الكتب الضرورية وحدها بـ 15 دينارًا، وعندما يتحدث السيد الخفاجي كطالب حديث في الكلية فإنه لا يخفي حسنات الكلية إذ عرفته بطلبة من مختلف أنحاء العراق ثم يعود فيشكو ويشكو معه الجميع مشكلة القسم الداخلي إذ المحل ضيق والشروط الصحية غير متوفرة والازدحام شديد، وتكرر هنا أيضًا مشكلة الطلبة الخارجيين – القادمين من غير بغداد – والذين يدرسون على حسابهم ويسهب الجميع في وصف مآسيهم في الغرف المؤجررة وهم يطلبون قبول هؤلاء الطلبة في القسم الداخلي وقد عرفت بأنهم راجعوا العميد حول الأمر ووعدهم بتأجير قسم داخلي آخر ليخفف بعض الازدحام في القسم الحالية على الأقل، ولكن التأجير لم يتم للآن.
والحديث عن المشاكل طويل وذو شجون فقد كان العهد البائد تجسيدًا حقيقيًا لكلمة الإهمال.