{التعاملات الإلكترونيَّة} توجّه حكومي للحدِّ من الفساد والتداول الورقي

اقتصادية 2023/01/19
...

 بغداد: حيدر فليح الربيعي 

حسين ثغب

 

رحَّب مختصون بالشأن الاقتصادي بقرار مجلس الوزراء القاضي بتحويل التعاملات الماليَّة إلى إلكترونيَّة، مؤكدين أهمية الخطوة في القضاء على شتى أشكال الفساد، فضلاً عن إمكانيتها في الحدِّ من تداول "الدولار" وتقليل عمليات الطلب على العملة الأجنبية، وفيما شددوا على ضرورة إجراء إصلاحات مصرفية موازية للقرار بهدف تمكينها من دعم التحول صوب استخدام "النقود الإلكترونية" الشامل، قللوا من أهمية الخطوة في كبح جماح الدولار والسيطرة على سعر الصرف.

القرار الحكومي الذي ألزم جميع الدوائر الحكومية وغير الحكومية والمختلطة والنقابات والجمعيات وجميع المراكز التي يتم فيها تحصيل المبالغ، بفتح حسابات مصرفية وتوفير أجهزة نقاط البيع، قوبل بترحيب البنك المركزي، الذي أكد قدرته على تلبية متطلبات الانتقال صوب التعاملات الإلكترونية.

وقال نائب محافظ البنك المركزي، الدكتور عمار حمد خلف، لـ"الصباح": إنَّ "المركزي يملك القدرات التي تمكنه من نقل التعاملات المالية إلى الإلكترونية، والبنى التحتية التي تساعد في تحقيق الأهداف بشكل دقيق".

ويرى خلف أنَّ "التوجه الحكومي صوب الدفع الإلكتروني يعد من أهم ستراتيجيات البنك المركزي التي بدأت منذ توطين الرواتب والتي خلقت ثقافة تعامل جديدة تفاعل معها المواطن وبدأت بتقليل استخدامات (الكاش) والتوجه صوب التعامل الإلكتروني وإن كان بشكل مرحلي".

وأشار نائب محافظ البنك المركزي إلى أنَّ تسهيل إجراءات منح رخص تحصيل البطاقات المصرفية باستخدام نقاط البيع (pos) تمثل عودة إلى الطريق الصحيح، حيث تعمل على تقليل الكلف عن المواطن، وتمنح المركزي فرصة للسيطرة على التداولات، فضلاً عن كونها مسألة حضارية وانتقالة مهمة سوف تجعل المواطن يتفاعل أكثر مما عليه الآن مع خدمات الدفع الإلكتروني". 

ولكون الخطوة الحكومية تهدف أيضاً إلى الحد من ارتفاع سعر الصرف، أكد خلف أنَّ "توجه البنك المركزي صوب تسعير البيع للقطاع الخاص بالدينار سوف يعمل كذلك على استقرار أسعار الصرف، حيث ستتم التعاملات بالدينار العراقي، مما يقلل الحاجة أو الطلب على الدولار في الأسواق المحلية".

وألزم مجلس الوزراء في قراره أيضاً، جميع المدارس الخاصة والجامعات والكليات الأهلية ومحطات تجهيز الوقود بجميع صنوفها ومواقعها وفي جميع أنحاء العراق، بفتح حسابات مصرفية وتوفير أجهزة نقاط البيع الخاصة بالدفع الإلكتروني (POS) والدفع بواسطة البطاقات المصرفية لتحصيل الأموال ولتمكين الراغبين من المراجعين بالدفع بالبطاقات، مع الإبقاء على التسلم النقدي جنباً إلى جنب، مع ربط تجديد رخص عمل ومنح إجازات ممارسة المهنة من خلال توفير تلك الأجهزة.

وبغية تحقيق أعلى نسب نجاح من القرار الحكومي، أشار الخبير الاقتصادي، بسام رعد، خلال حديثه لـ"الصباح" إلى أهمية الخطوة في دعم رقمنة المدفوعات وتطوير القطاع المالي وتعزيز الدفع الإلكتروني وتقليل التعاملات النقدية، لكنه شدد على ضرورة أن يرافق ذلك القرار توجه صوب "تطوير البنية التحتية الداعمة لتفعيل استخدام القنوات الإلكترونية والتوسع في مجال الخدمات المالية من خلال استخدام التقنيات الحديثة (أجهزة نقاط البيع POS وأجهزة الصراف الآلية ATM) وبالتالي تسهيل التعاملات التجارية وخفض كلف التعامل النقدي".

وبجانب أهمية القرار في رقمنة الاقتصاد، أوضح الخبير رعد أنَّ "هذه القرارات ستسهم كذلك في خفض التعامل بالنقد وبالتالي الحد من مظاهر الفساد المالي والإداري وتعزيز الشفافية في التعاملات المالية ورفع مستويات الشمول المالي مما سيؤدي إلى إحداث تغيير إيجابي بمجمل النشاطات الاقتصادية".

ومن أجل الوصول إلى نسب نجاح متقدمة من هذه القرارات، شدّد المتحدث على أهمية اتخاذ إجراءات موازية وسريعة وجادة من أجل إصلاح النظام المصرفي وتغيير الأنظمة القانونية للمصارف والعمل على كسب ثقة الجمهور بشكل واسع، لافتاً بالقول: إذا لم نصلح الأنظمة القانونية والداخلية للمصارف فإنَّ تلك الإجراءات لن تلعب دورها في التحول إلى مجتمع لا نقدي.

ولم يبتعد كثيراً الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي عن الرأي السابق، حينما أشار لـ"الصباح" إلى أنَّ "تفعيل استخدام الدفع الإلكتروني بالبطاقات هو لإنشاء قاعدة ترتبط بها الكثير من الخدمات، وهو نقطة مهمة لتحول التعاملات الورقية بالدوائر والمؤسسات الحكومية نحو الأتمتة، وتأسيس ثقافة الحسابات المالية المصرفية بدلاً من استخدام النقد المباشر" . 

وأوضح التميمي أنَّ "فرض الحكومة الدفع الإلكتروني على مؤسسات الدولة هو الأساس الذي يؤدي إلى انتشار أوسع لاستخدام بطاقات الدفع على نطاق واسع"، بيد أنَّ المتحدث يرى أنَّ "الخطوة في حال كانت تستهدف القضاء على (الدولرة) فلا أتوقع أن تكون نافعة أو مجدية، بل قد تتوسع البطاقات لتكون هناك حسابات مصرفية بالدولار وأخرى بالدينار العراقي".

وعلى العكس من الآراء السابقة، يرى الخبير الاقتصادي، مناف الصائغ أنَّ "الإجراء غير مدروس وغير منهجي، وربما سيزيد الوضع سخونة في ما يخص انخفاض قيمة الدينار أمام الدولار" مشيراً خلال حديثه لـ"الصباح" إلى عدم وجود نظام مصرفي جاهز يتيح للحكومة تنفيذ ذلك القرار في السرعة التي يمكن بواسطتها كبح جماح الدولار، معتبراً الخطوة متأخرةً جداً.

ويرى الخبير الصائغ أنَّ القرارات الخاصة بمواجهة ارتفاع الدولار، غير سليمة نتيجة عدم اعتمادها على منهج اقتصادي واضح وفقا للسياستين النقدية والمالية التتين ينبغي وفقهما الحد من الإنفاق العام والتوجه نحو اعتماد مبدأ السيطرة على النقد وسعر الصرف عبر أدوات تلك السياستين، منتقداً في الوقت نفسه، غياب المنهج الاقتصادي الواضح، مؤكداً بالقول: هوية الاقتصاد العراقي ما زالت مشوّهة وغير واضحة.