البطاقات الائتمانية طريق عصابات الجريمة نحو {الحوالات السوداء}

العراق 2023/05/15
...

 بغداد: هدى العزاوي


ضمن سياسته النقدية لتسهيل احتياجات المواطنين المسافرين إلى خارج البلاد، أصدر البنك المركزي العراقي مجموعة تعليمات، منها إمكانية تغذية البطاقات الائتمانية والدفع المسبق بمبالغ بالعملة الصعبة، إلا أن عصابات الجريمة المنظمة وبعض التجّار استخدموا هذه التسهيلات، لتفتح بذلك بوابة (الحوالات السوداء) التي تستند إلى تهريب مجموعة كبيرة من البطاقات إلى خارج العراق وسحب المبالغ المتوفرة فيها بالدولار، ما يترك آثاراً كبيرة في الاقتصاد العراقي والسوق المحلية.

وقال مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية الدكتور مظهر محمد صالح، في حديث لـ"الصباح": إنه "بعد سيطرة البنك المركزي على سياسته النقدية الهادئة وبحزم، وتسهيل التحويل الخارجي وفق ضوابط الامتثال الدولية، والدور الكبير الذي أدته السياسة المالية والاقتصادية للدولة في تسهيل مهام الاستيراد من دون قيد، لاحظنا بدء تحسن سعر الصرف واقتراب سعر الصرف الموازي من السعر الرسمي".

وأضاف، "لكن مع الأسف، فإن استغلال عصابات الجريمة المنظمة البطاقات الائتمانية للمسافرين التي تعد من وسائل التمويل وحاجة المسافر للعملة الأجنبية عن طريق بطاقة الدفع المسبق أو البطاقات الائتمانية، إذ أتاحت للعصابات استخدام جوازات سفر المواطنين بشكل غير شرعي وغير معروف لتوليد بطاقات تُهرّب خارج العراق وتُسحب مواردها لخلق (حوالات سوداء) أو تهريب الأموال، وهذا واحد من أساليب الجريمة المنظمة وغسيل الأموال يعاقب عليه القانون". 

وبيّن أن "هذه العملية أدّت إلى اضطراب وقتي في سعر الصرف، وأمام مؤسسات الامتثال الدولية للسياسة النقدية"، وبين أن سياسة الدولة والإجراءات الرادعة وقوة فرض النظام أدت دورها اليوم للحد من هذه الظاهرة الخطيرة والتلاعب بأمن المواطنين جراء الجريمة الاقتصادية"، مؤكداً أن "الوضع سيكون أفضل خلال الأيام المقبلة، والدينار العراقي قوي وسيعاود سعر الصرف تحسنه كما بدأ قبل أشهر قليلة".

وتابع صالح، أن "السلطة النقدية هي المسؤولة عن استقرار أسعار الصرف والتواصل مع مجتمعات الامتثال الدولي لتحقيق اليسر والسهولة لعملية تحويل الأموال أثناء استخدام البطاقات وفق الأصول القانونية ووفق سبل الامتثال الدولي المطلوبة، وأعتقد بأنها تجربة قصيرة إذ لم يتعود المجتمع بعد على استخدام بطاقات الائتمان بهذا الشكل، مما أدى إلى استغلالها من بعض أصحاب النفوس الضعيفة"، مشيراً إلى أن "هناك ترتيبات مؤسساتية ستنظم العلاقات بشكل صحيح إلى أن يقترب سعر صرف السوق الموازي من الرسمي".

من جانبه، يرى الخبير في الشأن الاقتصادي، الدكتور جعفر باقر علوش، في حديث لـ"الصباح": أن "تهريب بطاقات الائتمان يجري باتجاهين؛ الأول من قبل بعض التجار الذين يتهربون من قيود البنك المركزي ومعاييره الجديدة، والثاني من قبل مضاربين يتاجرون برأس مال (دولاري) بقصد تحقيق أرباح رأسمالية من فرق السعر بين الرسمي والموازي"، لافتاً إلى أن "المتاجرة بهذه البطاقات لا يتم فقط عبر تحويلها للخارج أو تهريبها وإنما يتم داخل العراق أيضاً".

وأضاف أن "العملية تعد من الأنشطة الاقتصادية غير القانونية، بل تصل إلى حد يمكن تشبيهها بغسيل الأموال، فضلاً عن أن إشراك شركات التمويل والصيرفة في عملية منح بطاقات الائتمان (الدولارية) يوسع من قاعدة العمليات غير المشروعة، ويسهم في تهريب الدولار للخارج بحجة تمويل التجارة الخارجية"، موضحاً أن "هذه البطاقات تتجه صوب البلدان التي فيها مصارف وسيطة لتحويل الأموال العراقية وتتواجد في الإمارات والأردن 

وتركيا".

ومن أجل الحد من هذا النمط، يشير علوش إلى إمكانية "وضع شروط للتجارة الخارجية، خاصة في ما يتعلق بضوابط الاستيراد المرتبطة بنمط التمويل وحصره عند جهات معنية رسمية وقانونية، بالإضافة إلى أن تعدد منافذ التمويل يخلق فرصاً للتحايل من قبل كبار المتمولين المحليين الذين لديهم علاقات مالية مع مصارف خارجية في البلدان المذكورة."

ونوّه بأن "هذه العملية تدخل في دائرة (السوق التمويلية السوداء) ويتوجب على الدولة معالجتها بوسائل مرنة وكفوءة، كما أن على الجهات الحكومية وخاصة الأمنية مراقبة شبكات التواصل التي تتغذى منها أدوات التهريب وآلياته"، عادّاً أن "تمويل التجارة الخارجية ليس أمراً معيباً، لكن أن يتخذ (الصبغة السوداء) فهنا تكمن مخاطره على حركة رأس المال المحلي وبالتالي يتوجه الادخار (الدولاري) صوب الخارج، وهنا يُصاب الاقتصاد بما نسميه الادخار السلبي".

وبشأن أضرار هذه العمليات، أكد علوش أنها تؤدي إلى"تهالك رأس المال القومي وضعف القدرات الاستثمارية المحلية، وقد تؤثر أيضاً في بقاء فجوة سعر الصرف كبيرة ولمديات أطول مما تتحمله السلطات النقدية، وبالتالي لا يكون أمام البنك المركزي إلا زيادة عرض النقد المحلي وقد يكون الإصدار النقدي إحدى أدواته، مما يفاقم معدلات التصخم".


تحرير: محمد الأنصاري