سارة طالب السهيل
كان الذكاء خبيئاً بالمختبرات العلميَّة وبين سطور روايات الخيال العلمي، حتى صار جزءاً من حياتنا العلميَّة والعمليَّة، ويخشى من سيطرته الكاملة على ثوابتنا الأخلاقيَّة والدينيَّة.
نجح الذكاء الاصطناعي في مجالات عديدة في حياتنا عبر تطبيقاته في التعليم، وعالم التجارة والتسويق وغيرها، ومع التطور اليومي لهذا الذكاء ستتحول الروبوتات الى كائنات بشريَّة مماثلة تشبه الكائنات المستنسخة، لا سيما بعد أنْ تعرفت على اللغات البشريَّة.
المختصون بالشأن الأخلاقي يتخوفون من تطوير الروبوتات بإدخال الجوانب العاطفيَّة عليها، ومن ثمّ فإنَّها تقضي على مميزات العنصر البشري، وتوقع خلق مشكلات أخلاقيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة غير قابلة للعلاج، كأنْ تصير الروبوتات آلهة والبشر عبيداً لها حسبما أشار عالم النفس، إريك فروم، في كتابه "المجتمع العاقل".
القدرات الفائقة للروبوتات قتلت بدمٍ باردٍ الآلاف عبر أنظمتها القادرة على تحديد الأهداف واستخدام القوة المميتة من دون سيطرة بشريَّة، مثل الطائرات من دون
طيار.
ونجح هذا الروبوت في تطبيقات دينيَّة لمختلف الأديان في عالمنا اليوم، الى حدٍ يخشى منه إلغاء دور رجال الدين من أجل إلغاء الدين نفسه.
ولا ننسى أنَّ الدين هو توازنٌ نفسيٌّ وانضباطٌ مجتمعيٌّ إذا كان وسطياً ومستخدماً للبناء لا للهدم والخوف من تحوير مبادئ الديانات.
ومع صعوبة رفض ثورة الذكاء الاصطناعي وتغييرها أنماط حياتنا في الأمن والبيئة والبحث والتعليم والصحة والثقافة والتجارة بسرعة هائلة، فإنَّ المخاوف من تأثير الذكاء الاصطناعي في الأخلاقيات قائمة، ما يتطلب معه الالتزام بالمعايير الأخلاقيَّة والتربويَّة والتركيز على الجوانب الإنسانيَّة.
أكرر دائماً أنَّ العلم من دون أخلاق وإنسانيَّة كان هداماً والمثال هو اختراع الأسلحة الكيماويَّة والقنابل الذريَّة، بل وكل الأذية اخترعها علماءٌ بلا إنسانيَّة وقيمٍ أخلاقيَّة، بينما العلماء أصحاب الفكر النير والأخلاق السامية اخترعوا الدواء والطائرة وجميع أدوات البناء وخدمة الإنسان والحيوان والبيئة.
وبالتبعيَّة فإنَّ مستقبل الأديان هو الآخر صار محلاً للتهديد.
فدورُ العبادة صارت تأتي للإنسان بعد أنْ كان يذهب إليها عبر نقل شعائر العبادة على شاشات التلفاز، وتلقي الوعظ الديني عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وظهور الكنيسة السيبرانيَّة، واستبدال معبد كودايجي البوذي باليابان تمثال إله الرحمة ميندار بـ"روبوت" مزود بجهاز استشعار، لإعطاء طلابهم محاضرات روحيَّة.
وأبرزت تقارير عالميَّة فكرة استبدال رجال الدين في المسيحيَّة واليهوديَّة بروبوتات صناعيَّة، تخزن في ذاكراتها المواعظ للمؤمنين، المسلمون لم يكونوا بمنأى عن توظيف الروبوت لشعائرهم، فاستخدموا تطبيقات تكنولوجيَّة ذكيَّة تحفظ لهم اتجاه القبلة في الصلاة.
رجال الدين بدورهم اعترضوا على قيام الروبوتات بأعمالهم الوعظيَّة مستندين في ذلك على عجز هذه المنظومة الاصطناعيَّة عن التواصل مع الجوانب الروحيَّة
للأديان.
ربما البعض سيفرح على فكرة خلاصنا من بعض مّدعي التدين ولابسي أثواب رجال الدين بفكر تكفيري تدميري إرهابي متعصب وهم موجودون في معظم الأديان لكنَّ الخوف ليس من خلاصنا من هؤلاء وإنما إبعادنا حتى عن الوعاظ الحقيقيين الذين يجب أنْ يكونوا لسان المحبة والهدي وإرشاد المجتمع للخلق السليم البعيد عن المبالغات في أقصى اليمين أو أقصى اليسار.
حذر البروفيسور يوفال نوح هراري، المؤرخ والمتخصص في تاريخ الجنس البشري من النتائج البيوتكنولوجيَّة التي ستخلق عالماً يتفوق فيه الذكاء الاصطناعي على الطبيعة البيولوجيَّة التي خلقها الله، ومن ثم قيام دين جديد، لا سيما بعد أنْ أتقن الروبوت لغتنا البشريَّة وصار قادراً على استخدامها في تشكيل الثقافة البشريَّة.
تركزت تحذيرات هراري من برمجيات مثل "تشات جي بي تي"، التي بإمكانها جذب الناس الى كتابة نصوص مقدسة، ومن ثم القدرة على خلق دينٍ جديدٍ بالمستقبل القريب.
وقد طبق هذه الفكرة عام 2017 "أنتوني ليفاندوفسكي" المهندس السابق بشركة غوغل، بتقديم أوراقٍ لولاية كاليفورنيا والحصول على ترخيص كنيسة لعبادة إله الذكاء الاصطناعي.
ولذلك فإنَّ الفاتيكان قد حذر في وثيقة "نداء روما" عام 2020، من أنْ يكون الابتكار الرقمي والتقدم التكنولوجي خصماً للبشريَّة، ودعت أنْ يكون في خدمتها.
فأين المنظمات والمؤسسات الإسلامية الكبرى من هذا التهديد؟
وقد فاقم العلماء مخاوفهم المستقبليَّة من أنَّه إذا تجاوز الذكاء الاصطناعي الإنسانيَّة في الذكاء العام وأصبح ذكاؤه فائقاً، فقد يصعب على الإنسان التحكم، ومن ثم يقضي على البشريَّة.
اللهم سلم، اللهم سلم، اللهم سلم.