علي حسن الفواز
لا يُوجد توصيفٌ محددٌ للحرب ولا للسلام، ولم يعد هناك عقلاء كاملو الصلاحيَّة ليرسموا خطوطاً واقعية للحرب والسلام، إذ بات كلُّ شيءٍ خاضعاً إلى حسابات ومصالح وخطط ومشاريع، وصولاً إلى مَنْ قال: إنَّ هناك اقتصاديات سرية للحرب، وأخرى للسلام، وهذا بطبيعة الحال يُفضي إلى الحديث عن أسواق ودكاكين وصفقات للحرب والسلام، وربما هناك أجهزة مخابرات خاصة ليس لها من وظائف سوى مراقبة هذه الأسواق، ومراجعة المعايير والمقاييس الخاصة بميادين الحرب، وبما يجري في الكواليس الخلفية لدبلوماسيات وسياسات السلام.
الولايات المتحدة من أكثر دول العالم هوساً بهذه الإجراءات، فما زالت تدفع الجميع إلى أتون الحرب الأوكرانية، إذ تُصمم لها الجبهات، وسياسات العسكرة والأدلجة والخطابات التي تجعل منها حرباً لا تنتهي، وتجعل من روسيا البطل الضدي والمخذول كما في برنامج الشكلاني فلادمير بروب، لكنَّ الأخطر في الأمر هو تصديق دول الغرب السردية الأميركية، والذهاب معها إلى أقصى رهانات هذه الحرب، وتأجيل الحديث عن السلام إلى ما بعد إنجاز مهمة استهلاك الخصم، وإجباره على سلامٍ لا رائحة للنصر فيه، رغم أنَّ روسيا ليست "أرنبة الحقل" كي يسهل اصطيادها، فهي ترفع يافطة "الدب القطبي" وهذا ما يجعلها فائقة الخطورة التي تجاوزت بها سرديات الحقل والبيدر.
التفكير بالنهايات غير السعيدة دفع الولايات المتحدة إلى البحث عن محاولة جديدة لكسر قواعد الاشتباك، ولتغيير لعبة المناورة، فتصريحات عدد من المسؤولين الأميركان عن اعتزام الولايات المتحدة إرسال ذخائر عنقودية إلى أوكرانيا لإدامة حربها مع روسيا، تكشف عن رهانات جديدة، فهذه الأسلحة محظورة دولياً، فضلاً عن أنها تعني إدخال الحرب في لعبة أكثر خطورة، وفي توسيع مذابحها، وربما تدعو روسيا إلى استخدام أسلحة ستراتيجية مضادة وأشدّ فتكاً.
هذا الرهان ليس سهلاً، لأنه سيجد معارضة من منظمات حقوق الإنسان، ومن دول أخرى ترى في "حرب العناقيد" خياراً خطراً على أمنها القومي، وعلى مصالحها، وعلى مستقبل الأمن في العالم، رغم أنَّ الولايات المتحدة ودول أوروبا تواصل ضخّ الحرب بحُزم مفتوحة من المساعدات تضمّ الأسلحة المتنوعة، والأموال والذخائر والخطط، والتي بلغت أقيامها مليارات الدولارات منذ بداية الحرب في شباط عام 2022.