علي حسن الفواز
يبدو أنَّ إيقاع السياسات الأوروبية لم يعد محكوماً بدينامية الديمقراطية السعيدة، فاليمينُ المتطرف على الأبواب، وربما قريبٌ من برامج الحكومات، وهو مايعني إمكانية تشييد انماطٍ للهيمنات الكبرى، التي ستُدير "التوحش" وتُعرّض "الهويات الصغيرة" إلى مايشبه المحو، أو إلى الخروج من المشهد السياسي والحقوقي. صعود اليمين المتطرف في المانيا قد يكون جرسَ الإنذار وسط لعبة الرهانات على الديمقراطية الغربية، ففوز الأحزاب القومية بعددٍ من مقاعد الحكومات المحلية، سيدفع باتجاه تهديد حقوق كثيرٍ من المهاجرين واللاجئين، وأصحاب الهويات غير الأوروبية، كما أنَّ تغيّر الحسابات الانتخابية في بلدان مثل فرنسا والسويد والدنمارك، يكشف من جانب آخر عن معطيات تدخل في إطار تحوّل اليمين الأوروبي إلى فاعليات راديكالية في عنفها، وفي نظرتها للآخر، وهو ما قد يُنذِر باصطناع سياسات يمكن أن تتغيّر معها القوانين الخاصة بالحمايات الاجتماعية، وبأطر التعايش والمواطنة، وصولاً إلى الدخول في صراعات أهلية، وفي أزمات اقتصادية وهوياتية، وإلى ارتكاب جرائم ذات طابع عنصري كما حدث من قبل الشرطة الفرنسية مع الشاب "نائل" ذي الأصول الجزائرية، أو القيام بأعمال عدائية ذات طابع "ديني" كما حدث في السويد قبل أيام بعد إقدام أحد المنحرفين بحرق نسخة من القرآن الكريم.صحيح أن لصعود التطرف في أوروبا أسبابه الداخلية والخارجية، لكن الصعود السياسي ستكون له آثار أكثر تعقيداً، على مستوى تأزيم الأمن الاجتماعي، والحقوق العامة، وعلى مستوى زيادة معاناة الفقر والبطالة، مع قلة فرص العمل، والتي قد تدفع إلى حدوث عنفٍ مُضاد، وشيوع ثقافات العزل العرقي والعنصري، وتحت يافطة الدفاع عن أوروبا البيضاء، أو أوروبا المسيحية، ومواجهة تداعيات عنف الهويات الشرقية، وهو ما يُعيدنا إلى ذاكرة الاستعمار القديم، وسياسات "الفكر العنصري" وربما إلى مواقف المستشرق المتطرف برنار هنري ليفي، الذي قال عنه الفيلسوف جيل دولوز إنه صاحب "الخديعة الثقافية".إنَّ مايجري في أوروبا ليس بعيداً عن الصراع الداخلي، ولا عن تداعيات الحرب الأوكرانية، فضلاً عن أزمة المهاجرين، وسوء إدارة ملفها الحقوقي والإنساني، وهو ما بات قريناً بـ"دعايات" اليمين المتطرف، وبما يجعلها مؤثرة في المجال العام، وفي توظيفها ضمن أجواء الانتخابات الساخنة، لتحقيق مكاسب تجعل من "الديمقراطية" لعبة فارقة في صناعة التوحش السياسي.