بليّة الحرب النووية

قضايا عربية ودولية 2023/07/16
...

 ماكس تيغمارك
 ترجمة: الصباح

نعلم أن اندلاع حرب نووية شاملة بين الولايات المتحدة وروسيا سيكون أمراً بالغ السوء، ولكن إلى أي مدى بالضبط؟ إلى أي حد ستعتمد فرصتك في النجاة من الانفجارات والإشعاع والشتاء النووي على الموقع من العالم الذي تقيم فيه؟ القعقعة بالسلاح النووي في العام الماضي التي لم يسبق لها مثيل، والفوضى التي تبعتها في أواخر شهر حزيران في روسيا، جعلت هذا السؤال مبرراً في وقته ومكانه. من أجل الإجابة عليه انهمكت مع مجموعة رائعة من العلماء متنوعي الاختصاصات في اصطناع محاكاة على أسس علمية لحرب نووية هي الأشد واقعية، وقد استعنت على ذلك بالبيانات المعلنة المعروفة فقط دون السرية، وصوّرت ذلك كله بشكل عرض فديوي. يجمع هذا العمل “نمذجة تفصيلية” للاستهداف النووي ومسارات الصواريخ والانفجارات والنبض الكهرومغناطيسي وكيف ينطلق الدخان الكربوني الأسود ويعلو قبل أن ينتشر إلى أنحاء الكرة الأرضية ليغير المناخ ويتسبب بمجاعة جماعية شاملة.
يظهر لنا شريط الفديو أن الطرف الذي سيبدأ الحرب ليس بذي أهمية، فحين يطلق أحد الجانبين صواريخه النووية سيكتشفها الطرف الثاني ويرد على الفور بإطلاق صواريخه قبل أن تصل الضربة إليه. فالصواريخ البالستية من الغواصات الأميركية المتمركزة غرب النرويج سوف تباشر بضرب روسيا بعد نحو 10 دقائق، والصواريخ الروسية التي ستنطلق من مناطق إلى الشمال من كندا ستبدأ بضرب الولايات المتحدة عقب ذلك بدقائق قليلة. الضربات الأولى سوف تحرق كافة الأجهزة الإلكترونية وشبكات الطاقة الكهربائية بسبب نبضة كهرومغناطيسية تحدثها وتصل قوتها إلى عشرات آلاف الفولتات للمتر الواحد. أما الضربات التالية فسوف تستهدف مراكز القيادة والسيطرة ومنشآت الإطلاق النووية. الصواريخ البالستية العابرة للقارات المودعة في قواعد برية ستستغرق نصف ساعة للطيران من مواقع إطلاقها إلى الهدف.
تستهدف المدن الكبرى لسببين، أولاً لأنها تضم منشآت عسكرية وثانياً لتعطيل قدرة العدو على التعافي والقيام بعد انتهاء الحرب. كل نقطة يصيبها سلاح نووي سوف تنبثق منها كرة نارية تقارب حرارتها حرارة مركز الشمس، تليها غيمة مشعة لها شكل نبات الفطر (عيش الغراب). هذه الانفجارات المكثفة تؤدي إلى تبخُّر الناس القريبين منها كما تتسبب بالحرائق والعمى لمن كان في مناطق أبعد. بعد ذلك تتمدد كرة النار فتؤدي إلى موجة انفجارية تدمر المباني وتسحق القريبة منها سحقاً.
تمتلك بريطانيا وفرنسا قدرات نووية أيضاً وهما ملزمتان بحكم المادة 5 من اتفاقية حلف الناتو بالدفاع عن الولايات المتحدة، لذا ستبادر روسيا إلى ضربهما هما أيضاً. العواصف النارية الناشئة عن ذلك سوف تكتنف مدناً عديدة، كما ستعمل الرياح التي ستهب بشراسة عاصفة على تأجيج اللهب فتشب النار في كل ما هو قابل للاحتراق وينصهر الزجاج وبعض المعادن ويتحول الإسفلت في الشوارع إلى سائل ساخن قابل للالتهاب.
تشير مراجعة البحث التي أجراها نظراء متخصصون لسوء الحظ أن الانفجارات والنبض الكهرومغناطيسي والإشعاع ليست أسوأ ما في هذه الحرب، بل هو الشتاء النووي الذي يتسبب به الدخان الكربوني الأسود الناجم عن العواصف النارية النووية. لقد تسببت قنبلة هيروشيما الذرية بحدوث عاصفة نارية مثل هذه، ولكن القنابل الهيدروجينية اليوم أعظم قوة وعنفاً بكثير. فمدينة كبيرة مثل موسكو، التي يفوق تعداد سكانها عدد سكان هيروشيما بنحو 50 ضعفاً، سوف تنتج كميات من الدخان أعظم بكثير، مع عاصفة نارية ترسل أعمدة من الدخان تصل إلى طبقة الستراتوسفير، وهذه أعلى بكثير من أي سحب ممطرة قد تفلح في غسل هذا الدخان وإزالته من الجو. هذا الدخان الأسود سوف يتعرض للتسخين بأشعة الشمس فيرتفع إلى الأعلى مثل منطاد مملوء بالهواء الساخن ويبقى لمدة تمتد عقداً من الزمن. في تلك الارتفاعات العالية تكون تيارات الهواء أشد سرعة وتدفقاً بحيث لن تمر سوى أيام قليلة ويكون الدخان قد انتشر مغطياً معظم أنحاء نصف الكرة الأرضية الشمالي.
ذلك كله سيجعل حرارة الأرض تنخفض حد التجمد حتى خلال الصيف. فالمناطق الزراعية بولاية كنساس سوف تبرد بحدود 20 درجة مئوية دون حدودها المعهودة، في حين ستكون البرودة في مناطق أخرى أشد سوءاً بضعفي هذا الحد، وقد قدرت ورقة بحث علمية مؤخراً أن أكثر من 5 مليارات إنسان يمكن أن ينتهوا إلى الموت جوعاً، ونحو 99 بالمئة منهم سيكونون في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين – لأن معظم الدخان الكربوني سوف يبقى جاثماً على نصف الكرة الشمالي حيث تولد، وكذلك لأن انخفاض درجات الحرارة سوف يضر الزراعة شد ما يضرها عند خطوط العرض المرتفعة.
من المهم ملاحظة أن كثيراً من الشكوك وعدم اليقين لا تزال تحيط بهذه الأمور، لذا فإن التداعيات الإنسانية الفعلية ربما ستكون أرحم أو أقسى، وهذا سبب أدعى للسير في هذا الدرب بمنتهى الحذر.

• عن مجلة “تايم”