أكبر عائق بوجه الهجوم الأوكراني المضاد
• إيزابيل خورشوديان
وكاميلا هرابتشوك
• ترجمة: أنيس الصفار
منطقة زابورجيا، أوكرانيا- بخطوات بطيئة صعبة، غدت سمة الوتيرة التي يتقدم بها الهجوم الأوكراني المضاد، تزحف مجموعات صغيرة من أفراد سلاح الهندسة عند خطوط الجبهة الأمامية عبر حقول الألغام، على البطون بمعنى الكلمة أحياناً، من أجل تفجير الدفاعات الروسية وتطهير الطريق أمام تقدم القوات. يقول الجنود إن الوقت الطويل الذي استغرقه الإعداد للهجوم المضاد، الذي ابتدأ منذ نحو شهر على امتداد أجزاء عديدة من ميدان المعركة في شرق البلاد وجنوبها، أتاح للروس الوقت الكافي كي يستعدوا. مساحات يتراوح عمقها بين 5 إلى 16 كيلومتراً قبالة كل معقل روسي رئيسي زرعت بشكل مكثف بالألغام المضادة للدبابات والأفراد والشراك السلكية، وقد نجحت هذه الدفاعات في إعاقة التقدم الأوكراني، وفقاً لهؤلاء الجنود.
نتيجة لذلك غيرت قوات كييف ستراتيجيتها، كما يقول عناصر في الجيش الأوكراني، فبدلاً من محاولة تحقيق اختراق مستعينين بمركبات المشاة القتالية والدبابات التي زودهم بها الحلفاء الغربيون، صارت الوحدات تتقدم ببطء سيراً على الأقدام.
في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» مؤخراً قال الجنرال «فاليري زالوجني»، القائد العسكري للجيش الأوكراني: «لم يعد بالوسع فعل شيء بدبابة تكسوها بعض الدروع لأن حقل الألغام عميق للغاية وهذه الآلية سوف تضطر للتوقف عاجلاً أو آجلاً وعندئذ يتم تدميرها بنيران مركزة.»
معاناة أوكرانيا في حقول الألغام كشفت عن جوانب ضعف في ناقلات الجند والدبابات، لاسيما مركبات برادلي القتالية الأميركية ودبابات ليوبارد الألمانية التي وصلت مؤخراً، تلك التي هلل لها المسؤولون كثيراً وعدوها مفتاح أوكرانيا لاستعادة أراضيها المحتلة من قبضة الروس. تلك المركبات نالت الثناء والمديح من الجنود، لأنها حتى بعد إصابتها بالألغام ينجو معظم من يكونون بداخلها ويخرجون بإصابات طفيفة فقط، لكنها برغم هذا لم تتمكن من اختراق الدفاعات الروسية وحدها. يقول زالوجني إن الطائرات المقاتلة الحديثة، مثل طائرات «أف - 16» الأميركية الصنع وغيرها من الأنظمة تشتد الحاجة إليها من أجل تعزيز الدعم للعمليات البرية.
يقول زالوجني: «نحن بحاجة إلى معدات خاصة لإزالة الألغام عن بعد.» مضيفاً أن أوكرانيا تستخدم حالياً أنظمة «أم 58» لإزالة الألغام بخط الشحنات المتفجرة التي أمدتهم بها الولايات المتحدة ولكنها هي الأخرى تتعرض للتدمير.
في خطاب ألقاه مساء الجمعة الماضي اعترف الرئيس «فلوديمير زيلنسكي» بالصعوبة التي يواجهها التقدم. قال زيلنسكي: «ينبغي أن نفهم جميعاً وبوضوح شديد أن القوات الروسية التي على أراضينا الجنوبية والشرقية تستغل كل شيء متاح من أجل إيقاف مقاتلينا. وكل ألف متر من التقدم .. وكل نجاح تحققه ألويتنا القتالية يستحق الامتنان.»
قال مسؤول أوكراني كبير، تحدث مشترطاً عدم الكشف عن اسمه، إن كييف قد تسلمت أقل من 15 بالمئة من أنظمة إزالة الألغام والمعدات الهندسية التي طلبتها من شركائها الغربيين قبل انطلاق الهجوم المضاد. بعض هذه المعدات لم يصل إلا في الأسبوع الماضي، على حد قول المسؤول.
أخبر وزير الدفاع الأوكراني «أوليكسي ريزنيكوف» وزالوجني صحيفتنا أنهما قد أبلغا الشركاء الغربيين بأنهم في حاجة عاجلة إلى مزيد من أنظمة إزالة الألغام، مثل عبوات طوربيد بانغلور المتفجرة. وقد احتفظت أوكرانيا ببعض الألوية والأسلحة الغربية للهجوم المضاد كمحاولة لاختراق حقول الألغام.
يقول زالوجني إن الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، قد فتح الخرائط أمامه وقال له: «انظر .. لا يوجد شيء هنا، ولا يوجد شيء هنا، كما لم يعد هنا شيء أيضاً.» يمضي زالوجني موضحاً: «حقول الألغام هي إحدى المشاكل التي تؤثر حتماً في سرعة تقدم الهجوم. هذه مشكلة نتفهمها، ولكن هل بالوسع حلها بشكل أسرع؟ ربما كان ذلك ممكناً. ولكن كيف؟ يبدو أن الجنرال ميلي على الأقل يعلم ذلك. السؤال الآخر هو .. هل يستطيع المساعدة في هذا الأمر؟ لا علم لي» .
يقول المسؤولون الأميركيون إنهم قد زودوا أوكرانيا بجميع أنواع المعدات التي طلبتها تقريباً من قبل أن يبدأ الهجوم المضاد. ويحذر المسؤولون من أنه ليس بالإمكان دائماً توفير الكميات التي تطلبها أوكرانيا، ولكنهم يقولون إن واشنطن تعمل ما في وسعها، بالذات في حالة أنظمة «أم 58»، لتوفير المزيد من الأنظمة نفسها والشحنات التي تستخدمها لتفجير صف طويل من الألغام بأسرع وقت.
يضيف المسؤولون أن قرار الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بالذخائر العنقودية المثيرة للجدل سوف يمنح كييف تفوقاً نارياً لأول مرة في هذا الصراع، وهذا سيتيح للأوكرانيين الوقت والمجال المناسبين لاستخدام المعدات الهندسية التي لديهم بالفعل.
يتحدث أفراد الجيش الأوكراني الذين على الأرض أيضاً عن ترددهم في استخدام معدات إزالة الألغام الأكثر تطوراً والأكبر حجماً، والسبب، من وجهة نظر الأوكرانيين، هو أن قلة أعداد أنظمة إزالة الألغام تجعلها أسهل استهدافاً من قبل القوات الروسية التي تجعل الأولوية لضرب هذه الأنظمة. عمق وكثافة حقول الألغام يمثلان تحدياً بشكل خاص على امتداد خط الجبهة إلى الجنوب من زابورجيا، حيث يتوقع الروس على نطاق واسع أن يهاجم الأوكرانيون في محاولة لشق ممر بري عبر المنطقة المحتلة التي تصل الحدود الروسية بشبه جزيرة القرم.
تضاريس هذه المنطقة تتميز بالانبساط إلى حد كبير، فهي حقول مفتوحة ليس فيها سوى قلة من الأماكن التي تسمح للأوكرانيين بتمويه المعدات والمركبات الأكبر حجماً. كذلك اختار الروس الأراضي المرتفعة للتمركز فيها، كما يقول الجنود.
يقول أحد قادة الوحدات (يتميز القائد بعلامة النداء «أوسكار» وفقاً للبروتوكول العسكري في الجيش الأوكراني) ومعه وحدة من الهندسة العسكرية ووحدة من خبراء المتفجرات من اللواء 47 الآلي، إن مجموعته قد تسلمت دبابة لإزالة الألغام من نوع «وايزنت» زودتهم بها ألمانيا واستخدمتها في بداية الهجوم المضاد في منطقة «زابورجيا». هذه الدبابة ومثيلات لها من طرازات سوفييتية كانت ناجحة في فتح بعض المسارات أمام وحدات اللواء للقيام بالاندفاعة الأولى.
يقول أوسكار: «لكن استخدامها الآن لم يعد مجدياً لأن العدو بات يتوقع ظهور هذه المعدات الضخمة الأحجام ذات الضجيج، والتي بالتالي تسهل رؤيتها، فيسدد إليها الضربات.»
قال ضابط آخر في اللواء 47 إن بعض وحدات اللواء، التي كانت تستقل مركبات برادلي القتالية ودبابات ليوبارد سلكت مساراً خاطئاً في اليوم الأول من الهجوم المضاد فألفت نفسها في حقل ألغام بدلاً من مسار آخر كان سلاح الهندسة قد أعده لها مسبقاً.
كانت مركبات إزاحة العقبات في مقدمة الطابور، ولكن المجموعة أرغمت على التوقف عندما اصطدمت مركبات المؤخرة بالألغام على غير توقع ووقعت في فخ، ونجم عن الفوضى تجمع عدد من المركبات في موضع واحد، وعندئذ بدأ الروس مهاجمة الأوكرانيين بواسطة المروحيات من فوقهم وبالصواريخ المضادة للدبابات فتسببوا بأضرار جسيمة ودمرت العديد من ناقلات الجنود والدبابات، لكن بعض الوحدات التي تركت معداتها وراءها تمكنت من الدخول إلى بعض المواقع الروسية، وفقاً لما قاله الضابط الأوكراني.
يضيف الضابط: «حين يرى العدو دبابة ليوبارد أمامه وآلية هندسية خاصة فإنه يبادر إلى تدمير الآلية الخاصة أولاً لأن الآليات الأخرى لن تتمكن من المرور من دونها. لذا تعرض العديد من هذه المركبات للتدمير مع طواقمها خلال يومين فقط من بدء الهجوم.»
ولأن الروس يملكون طائرات مسيرة في السماء تواصل التفتيش عن أي أنظمة لإزالة الألغام لأجل استهدافها بالمدفعية والصواريخ، يحاول الأوكرانيون حالياً إنقاذ القليل المتبقي لديهم من هذه الأنظمة من خلال الاعتماد على تنفيذ العمل يدوياً. لذا تنتظر وحدات الهندسة العسكرية وخبراء المتفجرات، التي تتألف أحياناً من مجموعة قوامها أربعة أشخاص لا أكثر، حلول ساعة الغسق غالباً لفتح ممرات عبر حقول الألغام، لأنهم في ضوء النهار يكونون مرئيين بوضوح كما يمكن رؤيتهم بأجهزة الرؤية الليلية في الظلام.
يقول عنصر الهندسة إن من غير الواقعي السير وأنت تحمل معك كاشف المعادن، لأنك تكون مرئياً تماماً. لذلك يزحفون ويعتمدون على بصرهم للعثور على الألغام.
يقول المقدم «مايكولا موروز» قائد فوج الهندسة العسكرية وخبراء المتفجرات التابع للواء الهجوم الجبلي 128: «ذلك يبطئ تحركنا كثيراً، لأن عمل خبير المتفجرات يستلزم وقتاً وهدوء أعصاب، ومن غير الممكن لنا القيام بعملنا في مثل هذه الظروف.»
كذلك بوسع الروس إلقاء المزيد من الألغام بواسطة الطائرات المسيرة ليعيدوا نثر المنطقة التي سبق للأوكرانيين تطهيرها. وإذا ما وصل الأوكرانيون إلى أحد خطوط الخنادق الروسية واستولوا عليه فقد يجدونه ملغماً هو أيضاً. كذلك يواجه الجنود مزيداً من التحدي لدى محاولتهم تعزيز مخزوناتهم من الذخائر وإخلاء الجرحى بسبب اضطرارهم للتحرك سيراً على الأقدام بدلاً من استعمال مركباتهم الغربية الجديدة.
يقول ريزنيكوف وزير الدفاع الأوكراني: «لقد كنا نستعد، ولكن الروس كانوا يستعدون أيضاً. إنهم يدركون أن المعدات الهندسية الآن هي حل لمشكلة أساسية ويمكن أن تغير قواعد اللعبة، لهذا يحاولون تدميرها أولاً. لقد أرسلت خطاباً آخر إلى جميع شركائنا دعوتهم فيه للتركيز على هذا الجانب الآن.»
• عن صحيفة «واشنطن بوست»