100 يوم من حرب السودان

قضايا عربية ودولية 2023/08/06
...

علي حسن الفواز



ربط العربُ قديما بين الحربِ والكراهة، وجعلوا من الكراهية تمثيلاً لفسادها، ولتغويل نزعة العصاب الجاهلي بين المتحاربين، وعلى نحوٍ جعل من بعض الحروب تمتد إلى أعوام طويلة، ولعل حروب البسوس وداحس والغبراء خير مثال على قسوة الزمن الحربي في التاريخ العربي، وهذا ما دعا أصحاب العقل إلى تغليب الحكمة لإيقاف تلك الحروب، وتجنيب الناس مزيداً من كراهاتها وتوحشها.

ما يجري في حرب السودان التي تجاوزت الـ"100" يوم ليس بعيداً عن سعار الكراهية، ولا عن تغليب العصاب على العقل، والنزق السلطوي على الحق العام، فبقطع النظر عن الأسباب التي أشعلت المعسكرات، فإن غلواء تلك الحرب تحولت إلى زمن للقتل الوطني، ولحرق الأخضر واليابس وإغراق المدن بمتاريس لا حدود لها، حدّ أنّ الجهود الدولية والإقليمية لم تستطع أن تقنع الفرقاء بوقف إطلاق النار، والبحث عن حلول قابلة للتطبيق، بعيداً عن ثنائية المنتصر والمهزوم، لاسيما في بلدٍ مُعقدِ التكوين مثل السودان، بطبيعته القبائلية، التي تجعل من النصر سمواً، ومن الهزيمة عاراً، ومن العقل توسطاً رخواً، وهو ما قلل من أدوار القوى المدنية والأحزاب السياسية، والنقابات وجماعات اليسار والديمقراطية وجماعة "الحرية والتغيير" في أن  تشكّل رأياً عاماً ضاغطا على الجيش وجماعة الدعم السريع لإيقاف الحرب، ومعالجة الأزمة والملفات المُختلف عليها بعقلانية ومسؤولية.استمرار الحرب يعني استمرار المجزرة، وتنامي العصاب، وبالتالي تحولت المدن إلى جبهات للقتال، والمستشفيات إلى مخازن للأسلحة، وفقدت الدولة هويتها وهيبتها ومؤسساتها الاقتصادية والسياسية والأمنية والمجتمعية، وصولا إلى نقطة حرجة قد تؤدي إلى "التقسيم" وإلى خيارات من الصعب التحكم بحدودها، وربما هناك من يجد في التدخل الخارجي فرصة لحسم الموقف، ولإجبار الفرقاء على التنازل، وفرض إرادة المجتمع "الأفريقي" أو "الدولي" على أصحاب الرهانات العسكرية. غياب الحلول، وفشل المبادرات والمفاوضات التي انعقدت في جدّة والقاهرة، جعلا من الأفق أكثر عتمة، وأكثر إحباطاً، وهو ما يكشف عن خيارات خطيرة، قد تحمل معها مؤشرات – وسط العجز الوطني - بالذهاب نحو الاصطفاف القبائلي، وتقويض النظام السياسي والدستوري، وهذا ما يجعل من حكاية الـ "100" يوم مدخلا للحديث عن زمن سوداني آخر، مفتوح على احتمالات ما يشبه "البسوس" الأفريقي، وعلى معالجات مستعصية وسط مواقف خلافية، وخنادق آخذة بالاتساع، وجنرالات لا يثقون بالسياسة ولا بالعقل والديمقراطية، ويبحثون عن حلولهم من خلال عسكرة القوة والإرادة، برغم مطالب الشارع السوداني بضرورة إيقاف هذا النزيف الوطني، وإيجاد مخرجات داخلية أو خارجية تمنع الذهاب إلى ما هو صعب.