بايدن يلقي بثقله صوب الشرق الأوسط

قضايا عربية ودولية 2023/08/07
...

 جون هوفمان وجوردن كوهين وجوناثان إيلس ألن
 ترجمة: أنيس الصفار

تفيد التقارير بأن الرئيس “جو بايدن” يفكر في الذهاب إلى حيث لم يجرؤ رئيس أميركي ممن سبقوه أن ذهب، وذلك بتوقيع اتفاقية أمن متبادل مع المملكة العربية السعودية مقابل إقدام الرياض على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
كذلك شاع في الأخبار أن “جيك سوليفان”، مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، و”بريت مكغورك”، كبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط، و”آموس هوشتاين”، كبير المستشارين، موجودون جميعاً في المملكة السعودية لمناقشة تفاصيل هذا الاتفاق المحتمل.
تحرك مثل هذا سيشكل كارثة على المصالح الأميركية لأنه سيوقع واشنطن في فخ تقمُّص دور الضامن الأمني للرياض رغم انقطاع الصلة جوهرياً بين المصالح والقيم الأميركية ومقابلاتها السعودية. هذه الاتفاقية قد تكون سبباً للمخاطرة بحياة أميركيين دفاعاً عن نظام له نهجه المختلف، وبذا سيتوفر إطار عمل يتيح لأنظمة أخرى في المنطقة أن تضغط على الولايات المتحدة من أجل الحصول على تنازلات مشابهة. كذلك يبدو أن إدارة بايدن تسعى إلى تحقيق هذا الاتفاق من جانب واحد تاركة الكونغرس والجمهور الأميركي في جهل بما يدور.
للولايات المتحدة علاقات أمنية عميقة (وإن تكن مرفوضة ستراتيجياً ومبدئياً) مع المملكة العربية السعودية، بَيْدَ أن المصالح الأميركية والسعودية اليوم لم تعد متوافقة، فالرياض تمثل “مسؤولية ستراتيجية” ولكنها ليست “شريكاً ستراتيجياً”. بل إن المملكة السعودية لها نشاطها في تقويض المصالح والقيم الأميركية، وهذه حقيقة لن تغيرها أية تنازلات تقدم للرياض مهما بلغت. بدلاً من ذلك فإن الدعم الأميركي الثابت للمملكة السعودية لن يزيدها إلا جرأة على مواصلة نهجها بسبب الضمانات التي تمنح لها بأن الولايات المتحدة سوف تهرع لمساعدتها من دون تحميلها أية مسؤولية.
لكن الولايات المتحدة لم تصحح مسارها بعد رغم انقطاعات الصلة هذه.
سلسلة اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية – التي صار يشار إليها باسم اتفاقيات إبراهام – طرح أخذ يبرز بسرعة كإطار جديد لسياسة الولايات المتحدة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وهو سبب منطقي جديد لتنشيط العلاقات الأميركية السعودية.
تجادل إدارة بايدن، التي وضعت توسطها في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل على رأس الأولويات باعتبارها حجر الزاوية لسياستها في منطقة الشرق الأوسط، بأن للولايات المتحدة “مصلحة تتعلق بالأمن القومي” من خلال التوسط لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين الجانبين. خلال العام الحالي ذكرت سلسلة من التقارير أن إدارة بايدن تضغط بشدة لتحقيق التطبيع بين إسرائيل والمملكة السعودية بحلول نهاية العام 2023، وقد ركز بايدن في زيارته الثنائية لإسرائيل والسعودية في 2022 على هذا الشأن بالذات. مقابل التطبيع مع إسرائيل تلحّ المملكة السعودية على إدارة بايدن للحصول على مزيد من الالتزامات الأمنية الرسمية، بالإضافة إلى مساعدتها في تطوير برنامج نووي للأغراض المدنية.
تخطئ إدارة بايدن إذا ما فكرت في مثل هذه المقايضة، إذ ما من حافز ستراتيجي يدعو الولايات المتحدة إلى إعطاء تنازلات سياسية أو زيادة الالتزامات الأمنية للمملكة السعودية كي تطبِّع علاقاتها رسمياً مع إسرائيل.
من خلال الضغط على الولايات المتحدة تأمل المملكة السعودية في الحصول منها على تنازلات سياسية مع رفع مستوى التزاماتها الأمنية تجاهها مقابل أن توافق على تطبيع العلاقات رسمياً مع دولة هي معها في توافق ستراتيجي أغلب الأوقات. هذا كله جزء من ستراتيجية مدروسة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لاستغلال قلق واشنطن المتنامي من فقدان الولايات المتحدة نفوذها في الشرق الأوسط، لاسيما في ظل تحرك لاعبين آخرين مثل الصين لتوسيع رقعة حضورهم الإقليمي.
بدلاً من تطوير المصالح الأميركية لن تسفر أية صفقة لزيادة الالتزامات الأمنية الأميركية تجاه المملكة العربية السعودية، مقابل تطبيعها العلاقات مع إسرائيل، إلا عن مزيد من تعزيز الدعم الأميركي للأسباب الأساسية ذاتها التي أفضت إلى عدم الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط. على واشنطن ألا تتحمل تكاليف التطبيع وتضحي بالمصالح الأميركية من خلال هذه العملية.
إدارة بايدن أصابت في شيء واحد، وهو أن الوقت فات على إجراء إعادة تقييم رسمي للعلاقات الأميركية السعودية، إلا أنها تمضي في الأمر على طريق خاطئ لسوء الحظ. من المهم جداً أن يكون هناك اعتراف بانقطاع الصلة جوهرياً بين المصالح والقيم الأميركية ونظيرتها السعودية وتجنب تعميق الروابط مع هذا النظام.
السلطة الوحيدة خارج السلطة التنفيذية التي يمكنها إجراء عملية إعادة التقييم هذه هو الكونغرس. لأن بايدن، من خلال استمراره في السعي من جانب واحد إلى هذا الاتفاق الأمني المتبادل، يكون قد تخطى سلطة الكونغرس على السياسة الخارجية، وهي سلطة محدودة أصلاً. الأسوأ من ذلك أن قدرة السلطة التشريعية على الانسحاب من هذه الاتفاقية الأمنية، إذا ما تحققت بالفعل، لن تكون واضحة في أفضل أحوالها، لأنها لم تكن موفقة من
الأساس.
لذا فإن الكونغرس، إذا ما أراد إيقاف هذه الاتفاقية الأمنية الرسمية بين المملكة السعودية والولايات المتحدة، سيتعين عليه التصرف بسرعة على أمل تغيير وجهات النظر في إدارة بايدن بشأن الاتفاقية مع
السعودية.
فحين يتعلق الأمر بسياسة الولايات المتحدة تجاه المملكة السعودية يكون الأقل هو الافضل لأن الرياض لا يمكن اعتبارها حليفاً لأميركا.

• عن مجلة “هيل”