علي حسن الفواز
تتسع مديات الصراع الانتخابي في الولايات المتحدة مع الإجراءات التي تمارسها السياسات العميقة في الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فخطوات هذا الصراع الاستباقي محسوبة بدقة، وبمعطيات تدفع إلى البحث عن تغييرات مُبكّرة في الخارطة الانتخابيَّة، وفي فرضِ أشكالٍ للأغلبية السياسية التي تُحدد مؤشرات التنافس من جانب، أو تحقيق طموحات شخصية أو حزبية من جانب آخر.
المشهد الانتخابي المحتدم في الولايات المتحدة بات مكشوفاً، لاسيما بعد استدعاء الرئيس السابق دونالد ترامب أمام القضاء، والدعوة لمحاكمته بتهم تخص تسريب وثائق سرية، والاعتداء على سيادة المؤسسات، ومحاولة تغيير نتائج الانتخابات، وهي تُهم تتجاوز الشخصي إلى العام، وإلى تشويه سمعة الجمهوريين، وإلى تقليل فرص إعادتهم إلى رئاسة الولايات المتحدة، فضلاً عن أنَّ الخلاف السياسي بين الحزبين لها استقطابات أخرى، منها ما يخصّ الضرائب والإجهاض، ومنها ما يخصّ المواقف من القضايا الدولية كما في أوكرانيا، ومنها ما يخصّ تحديات أزمات الطاقة والغذاء والمناخ والتضخم، ومنها ما يخصّ الموقف من العنصرية والحقوق المدنية، ومنها ما يخصّ ملفي التجارة وتايوان مع الصين، وملف البرنامج النووي الإيراني وملف الصواريخ الكورية الشمالية وغيرها.
تصريحات الرئيس السابق ترامب تكشف هي الأخرى عن مأزق أميركي، فهو يتهم حكومة الرئيس بايدن بالتورط في حرب أوكرانيا نيابة عن أوروبا، وعلى الأوروبيين أن يتحملوا كل خسائر الأسلحة التي أرسلتها أميركا إلى الحرب، فضلاً عن اتهامه الرئيس بايدن بالفساد، وبأنه "يحاول إلقاء القبض على خصمه السياسي بتهم مُلفّقة" متوعداً بأنه سيقوم بملاحقته قانونياً.
هجوم الرئيس السابق على الرئيس الحالي ليس بعيداً عن الصراع الحزبي، وعن تمثيله مواقف تدخل في سياق تهييج مناصري الحزبين لإيجاد نوع من الاصطفاف والضغط الشعبوي، وربما إثارة الرأي العام بشأن قضايا يمكن أن تكون مؤثرة في المزاج الديمقراطي، وفي فرص الخيارات الانتخابية، رغم أنَّ السياسات العامة للحزبين لا تختلف في إدارة كثير من الملفات، وفي المواقف من قضايا تخص الأمن القومي الأميركي، لكن تبقى للخصوصية الحزبية مجالاتها العميقة، الاقتصادية والأمنية والعسكرية، والتي تجعل من الواقع الانتخابي ومن نتائجه ليس بريئاً، وأنه محكوم بسياقات لها حسابات تجعل من السباق والتنافس الانتخابي مجالاً مُشرعاً للاحتدام السياسي والإعلامي وكل ما يدخل في شيطنة الآخر.