علي حسن الفواز
تزداد أزمة البحث عن رئيس لبناني يمكن أن يتفق عليه الجميع، فتحولت إلى عنصر ضغط لفتح جبهات جديدة في هذه الأزمة، حتى بات الأمر وكأنه يدور وسط عالمٍ من الخيوط المتشابكة، بدءاً من الخيط المالي الذي كان يمثله رياض سلامة الحاكم السابق لمصرف لبنان، مروراً بالبحث عن الخيط العالق بذاكرة تفجير مرفأ بيروت، وانتهاء بكتلة الخيوط التي يمكن أن يجمعها ويفرزها الرئيس المُنتخب، والذي يحتاج إلى دعم خارجي وداخلي لإعادة ترتيب تلك الخيوط. أزمة مصرف لبنان هي تورية لأزمة لبنان الاقتصادية، وأزمة تفجير مرفأ بيروت هي تورية لخطورة العقدة الأمنية، وللمخفي من قوى "الدولة العميقة" في لبنان، والتي تحاول جعل التفجير شماعة لتعليق الأزمات الداخلية على هذه الجهة أو تلك، فضلاً عن تحويلها إلى جرحٍ نرجسي في الذاكرة اللبنانية، قابل للنكأ كلما اشتدت الحاجة إلى إثارة نزفه ووجعه، وهو ما يعني جعل الطريق إلى كرسي الرئاسة مفتوحاً، لكن على حساب العبور على هذه الأزمات والجروح.
ما يُثار الآن في الذكرى الثالثة لتفجير المرفأ ليس عابراً، ولا بحثاً جنائياً وحقوقياً عن الجهات أو الأسباب التي وقفت وراءه، لكنه يرتبط بتصفية حسابات، وبدفع واضح من الخارج، وعبر تلميح بربط موضوع الرئاسة الجديدة بزمنٍ أمني ضاغط، وبزمنٍ اقتصادي له رهاناته، فبدأت ملامحه الأولى مع إجبار حاكم مصرف لبنان على الاستقالة، واختيار نائبه لإدارة الملفات، والتي استشرفها بتصريحات نارية، أولها بأنه سيوجّه بإيقاف دعم الدولة، والعمل على إقرار عمل مصرفي جديد، له توجهاته وأهدافه، وأساليبه الهادفة إلى الحصول على عقد صفقة عملية مع صندق النقد الدولي، لتيسير الحصول على القرض المؤجّل، والذي يتصوره كثيرون بأنه المفتاح السحري لحل أزمات لبنان الاقتصادية وتأمين ودائعه، وإعادة الثقة بالنظام المصرفي وبالليرة اللبنانية. النجاح في صناعة هذا المشهد سيكون تلميحاً لصناعة مشهدٍ موازٍ يتعلّق باختيار رئيس جديد للبنان، يُفكّر بذات الطريقة الصارمة، وبالحلول التي تبحث عن اتفاقات مع "بنوك سياسية" وجهات خارجية تدعم التوجه المُخطط له للدولة اللبنانية، ولمواجهة التحديات الكبرى، لاسيما تحديات ملفات الطاقة والكهرباء والديون والودائع، والملف السوري، وموضوع اللاجئين، وما تداعى مؤخراً بعد أحداث مخيم "عين الحلوة" فضلاً عن ملف الواقع الأمني وحساسية الصراع مع إسرائيل، ومواجهة تهديداتها العسكرية وخروقاتها المتواصلة.