وإنَّ أخا الحرب الأرق

الصفحة الاخيرة 2023/08/19
...

جواد علي كسار

 حتى بعد مضى عشرين عاماً على التغيير، لم يزل مصطلح الأمن القومي العراقي يُحيل حين يُذكر، إلى النظام السابق وميراثه في نظرية الأمن القومي العربي؛ وهي النظرية التي ارتبطت بشراكة بين الناصريين والبعثيين، على ما بينهما.
لا تقتصر المفارقة في احتكار المفهوم والمعنى على هذا القدر وحده، بل تمتدّ إلى ما هو أسوأ حين ترانا نضطرّ عاجزين، إلى تعريف أمننا القومي كعراقيين، من خلال منظومتين إقليميتين مؤثرتين، هما الأمن القومي الإيراني والتركي، ووقوع العراق بين كماشتيهما؛ بديهي بالإضافة إلى بقية المؤثرات الإقليمية والدولية، ما يؤشر إلى وجود خلل واضح في تفكيرنا الستراتيجي، لبناء وتشييد وإنتاج رؤيتنا الخاصة للأمن القومي العراقي.
هذا باختصار شديد ما فهمته من افتتاحية الدكتور علاء حميد إدريس في العدد التاسع من مجلة «الرواق»، المخصّص محورياً للأمن القومي العراقي.
فقد طاف الباحثون على مدار نحو مئتي صفحة في تفاصيل الملف، بين من اجتهد في تقديم تكييفات وصفية وتحليلية ونظرية، في مفهوم الأمن القومي العراقي ودلالاته، وما يواجهه من تحدّيات داخلية وخارجية، كما برز ذلك واضحاً في مقالات خمس أو أكثر؛ وبين من اتجهت همّته لإعطاء تصوّر بهذا القدر وذاك، عن مشروعي الجوار المؤثرين التركي والإيراني، عبر قراءتين في أطروحة: «العمق الستراتيجي» و«أمّ القرى».
لكن مع ذلك لم يزل الملف بحاجة إلى الإثراء عبر المزيد من الأعمال، ليس فقط لأن الأمن القومي العراقي هو همّ يومي من هموم العراقي، يستوى مع بقية الهموم إن لم يتقدّم عليها، بل أيضاً لوجود ثغرات كبيرة في هذا الملف.
فلا نزال بحاجة إلى حفريات جذرية في نظرية الأمن القومي العربي للنظام السابق، خاصة وأن العراق إنساناً وعمراناً لم يخرج بعد من تحت أنقاض تلك النظرية، وما خلّفته من دمار هائل.
كذلك، نحن بأمسّ الحاجة إلى استنفار العقل العراقي لأقصى طاقاته العلمية والمعرفية، لكي يشيّد منظوره الخاص للأمن القومي العراقي الذاتي، الفاعل غير المنفعل.
كما هناك حاجة فورية عاجلة لفهم جاد وعميق لمشاريع الأمن الإقليمية المؤثرة، وفي طليعتها الإيراني التي لم تكن «أمّ القرى» سوى واحدة من تجلياته؛ والتركي الذي أرى أنه لم يزل أميناً لنظرية «العمق الستراتيجي».
كملاحظة أخيرة، لا ينبغي أن نفكر بأمننا القومي بأسلوب الهلع والإرعاب والتخويف، وهو يُمارس من قبل كثيرين، ويستصغر العراق عندما يصوّره قطعة حلوى صغيرة، ممكن أن تبتلعها هذه الدولة أو تلك.
لكن أيضاً علينا التزام الحذر والإبقاء على مسافة مع الجميع، أصدقاء وأعداء في الإقليم وخارجه؛ وما أروع أمير المؤمنين، وهو يضع لنا هذه القاعدة: «وإن أخا الحرب الأرق، ومن نام لم يُنم عنه».