علي حسن الفواز
يبدو أنّ العالمَ مُقبلٌ على تغيرات جيوسياسية خطيرة، وعلى تحولات كبرى، وعلى تنافسات ستُزيد من حدّة الصراع الدولي، بحثاً عن أسواق جديدة، وعن جغرافيات تتقاطع معها مفاهيم الهيمنة والسيطرة، وربما عن أشكال «ناعمة» لتأمين الحصول على الموارد والثروات الطبيعية. هذا المُعطى لا يعني العودة إلى «الاستعمارات» القديمة، وإلى فرضية القوة المُفرطة، بل يفترض وجود أشكال جديدة أكثر إنسانية للعلاقات والمصالح، تبدأ من صياغات أكثر واقعية للعلاقات السياسية بين الدول، ولا تنتهي عند تأسيس التجمعات الاقتصادية الكبرى.
فبقدر ما فشل الغرب في الكثير من أطروحاته الاقتصادية والأمنية، فإن دول الشرق الكبرى – روسيا، الصين، الهند- أدركت خطورة تلك الأخطاء، وجعلت من تأطيراتها الاقتصادية أكثر تمثيلاً لواقعية المصالح، ولاحترام سيادة الدول، وعدم دفعها إلى المزيد من الأزمات والصراعات، ولعل أنموذج تجمع بريكس الاقتصادي دليل واضح على حيوية تغيير المسارات الاقتصادية، وجدية العمل على تجاوز نمطية العلاقات الدولية وإدارة الثروات وحمايتها وتوظيفها في تداوليات جديدة، أكثر جدوى وأكثر فاعلية، لاسيما بعد انفتاحها على دول جديدة، لها اقتصاديات ناشئة، لكنها طموحة، ولها إدارات فاعلة، على مستوى مواجهة التحديات، أو على مستوى التفاعل الإيجابي مع استحقاقات المصالح، فضلاً عن مرونة اقتصاداتها في التعاطي مع المتغيرات التي تعصف بالعالم، وبمواجهة الهيمنات القديمة- هيمنة الدولار، وهيمنة الأمركة- مثلما تملك الإرادة في الدخول الحر إلى عالم جديد، له شجاعته في صناعة أسواق جديدة، ومصالح متحركة، وعملات وطنية يمكن تداولها، وصولاً إلى البحث عن عملة موحدة تملك القدرة على منافسة «الدولار التاريخي».
التنافس على دول في أفريقيا وفي أميركا الجنوبية هو رهان مستقبلي على التغيير، وعلى دفعها إلى الانخراط في التجمعات والأسواق الجديدة، وإلى فتح أفقٍ لعلاقات تكفل تجاوز الكثير من الأزمات، فرغم ماتعانيه بعض تلك الدول «أوضاع أمنية واقتصادية معقدة» إلّا أنَّ واقع الأمر يكشف عن علاقة هذه الأوضاع بصناعات الأزمات، لاسيما الدول التي تملك ثروات كبيرة، لكنها تعيش تحت هيمنات أمنية واقتصادية مرعبة، لا تحكمها سوى ذاكرة الاستعمار القديم، وأحسب أنَّ دخول دول مثل اثيوبيا ومصر والأرجنتين وإيران والإمارات والسعودية سيكون له أثره وحافزه الفاعل على تغيير موازين القوى الاقتصادية، فهذه الدول تملك اقتصادات فاعلة كالسعودية والإمارات، مثلما تملك دول أخرى أدواراً سياسية ستراتيجية فاعلة مثل أثيوبيا وإيران ومصر والأرجنتين.