السياسة وحرب الاقتصادات

قضايا عربية ودولية 2023/08/30
...

علي حسن الفواز



تتكشف معطيات الاقتصاد العالمي عن تنافسات معقدة، وعن أشكال أكثر توحشاً في الصراع حول الأسواق والثروات والمصالح، وربما عن تحالفات ستمثل تحدياً للأشكال التقليدية للاقتصادات الكبرى التي تقودها الولايات المتحدة، ولعلاقتها السائدة التي تقوم على فرضيات القوة والعقوبات والاستحواذ.

التحالفات الجديدة ليست بعيدة عن السياسة، ولا عن موضوعات الهيمنة، إذ تهدف في إجراءاتها وسياساتها الستراتيجية إلى صياغة محاور، وإلى إنشاء نظام جيواقتصادي مغاير، له قدرته وجدّته على التنافس الستراتيجي، وعلى مواجهة التحديات التي باتت تهدد العالم بصراعات مفتوحة، وبأزمات تتجاوز عقدة تابعية «الجنوب العالمي» إلى جغرافيا الشمال المُحصّن بقوة الرأسمال التاريخي، وبسياساته القائمة على مركزة العسكرة الاقتصادية، وعلى الأشكال التي فرضتها الإدارات «الليبرالية» عبر هيمنة أسواقها الحرّة، وعبر معطيات ماتكرّس في قواعد اللعبة السياسية بعد الحرب العالمية الثانية.

التجاوز في معادلات الاقتصاد يعني تجاوزاً في معادلات السياسة، وحتى في الأمن، مثلما يعني استفزازاً لإعادة النظر بـ»سياسة الذاكرة» وعلى نحوٍ سيُعطى للتحالفات الجديدة أدواراً خارقة للمألوف، فتجمعات مثل «شنغهاي» و»بريكس» سيكون لها حضور فاعل في المنافسة مع مجموعات أكثر تجذراً في التحكّم باقتصاديات العالم مثل «مجموعة العشرين» ومجموعة «G7”.

خطورةُ التنافسِ لا تعني الاكتفاء بسياسات الأسواق، بل سيكون عنواناً محتملاً لصراع دولي، وربما لمواجهات من الصعب التعاطي مع تداعياتها، لاسيما أن التحالف الثاني يدخل في سياق ما يُسمى ب”التحالف الأمبريالي” وهو تمثيل للطابع العسكري الذي يقف وراء السياسات الاقتصادية لـ”السبع الكبار”. 

نجاح فعاليات تجمع “بريكس” في استقطاب دول جديدة، يشكّل تحدياً جديداً، وتأسيساً فاعلاً لفكرة التجاوز، ولطبيعة المتغيرات التي يتعرّض لها العالم، وللرثاثة التي باتت تواجهها دول الغرب القديم، وما تعانيه من أزمات جرّاء سياستها الاقتصادية، والأمنية، وتورطها في صراعات وحروب متعددة، وآخرها الحرب الأوكرانية الروسية، والتي كان لها تأثير كبير في ارتفاع نسب التضخم والبطالة في أوروبا، فضلاً عن علاقتها بالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والغرب على الصين وروسيا، وهما دولتان تلعبان دوراً مهماً ونشيطاً في نشوء تلك التجمعات الاقتصادية الجديدة، وفي التحفيز على توسيع العضوية فيها، وتنمية مديات الأسواق الناشئة، وصولاً إلى صياغة عهدٍ اقتصادي أكثر استيعاباً للمتغيرات الاقتصادية والسياسية في العالم.