التكسي وعيون صفية

الصفحة الاخيرة 2023/09/10
...

محمد غازي الأخرس
منذ فترة، أتابع صفحة أحد المهتمين بالمواشي في الانستغرام، شاب لطيف يدور في (الجوبات) ليسأل ويتقصى عن أسعار الخراف والعجول والماعز وأنواعها، مقدماً محتوى مفيداً وطريفاً. قبل يومين، أثناء تجواله في سوق أربيل، توقف عند معزة أفغانية رائعة، لها أذنان طويلتان وتتشكل بلونين، العنق يضرب إلى الحمرة، بينما بقية البدن أبيض. ولشدما أستثيرت حساسيتي البلاغية حين ذكر أن هذا النوع يوصف شعبياً بالـ (تكسي)، وهي استعارة مأخوذة من شكل التكسي في العراق أيام زمان. فقد تفرد البلد ببصمة خالف بها الدول المجاورة، وهي تميز تكسياته بلونين، أبيض وبرتقالي، وهو تشكيل جميل ومميز فقدناه للأسف حين أخلينا شوارعنا للون الأصفر. 

المهم أن التشبيه ينتمي لآلية الاستعارة التي تتيحها اللغة العربية، وتشكل جزءاً أساسيًا من استخدامنا لها. نعم، نحن العرب نستخدم الاستعارة والمجاز والكناية كل لحظة دون أن نعي، تنظر لصديق فترى فيه وسامة لم تلحظها سابقاً، فيخطر في بالك أنه: صاير لوز، أو تشعر بالجوع فتقول: عصافير بطني تزقزق. ترى المرأة الطويلة الرشيقة فتقول: شلون ناكة، ثم تنظر للمسترجلة الخشنة فتفكر أنها: جبار. وللأم الحنونة نستعير مفردة: حميمة، وهي تصغير تحببي لحمامة الدار، ثم نسلم العملة ذات المئة دولار لها قائلين: هاي الورقة لك. أما الشدة من عشرة آلاف دولار، فنطلق عليها: دفتر. مع الهواتف النقالة، نفعل الأمر نفسه، فنسمي واحداً: طابوكة، والآخر : دمعة، وإلى آخر استعاراتنا وكناياتنا التي لا تنفد.  على أن استعارة التكسي للمعزة ذكرتني بظاهرة تسمية ماركات السيارات بأسماء مستعارة من الحيوانات، فالفولكس واغن الألماني تسمى عندنا: الركة أي السلحفاة، والعكركة، أي الضفدعة، لوجود شبه شكلي واضح بين السيارة وهذين الحيوانين. وفي مصر يسمون النوع نفسه: الخنفسة. سيارة الفولكا الروسية ذات القمارة المحدبة كنا نسميها: بعيرة، ونطلق على سيارة الكابرس: دولفين، ويسمي السعوديون الماركة ذاتها: الوحش. أبناء الكنانة يسمون المرسيدس: الخنزيرة، والفيات: القردة، ويسمي اللبنانيون المرسيدس نفسها : النملة أو الشبح. وبينما نسمي نحن الكورلا: البطة، يطلق اللبنانيون (البطة) على البي أم دبليو، بينما يسميها السعوديون الحوت.  ليس هذا فحسب، فالاستعارات لا تترك شيئاً لا تسطو عليه، بما في ذلك أسماء الناس وصفاتهم، وأبطال المسلسلات والأغاني. في السبعينيات، دأبنا على تسمية المارسيدس الحمل: أبو رديّن، تأثراً بأغنية ذياب مشهور : يابو ردين يابو  ردانه. وفي التسعينيات، أطلقنا على المارسيدس الصالون تسمية: أبو جحيل، والاولدز  تسمية: الدعلج، وهما بطلا مسلسل (ذئاب الليل) الذي اشتهر آنذاك، وأدى الدورين الممثلان جواد الشكرجي وبهجت الجبوري. مع هذا، فإن الأطرف من هذا وذاك تسميتنا اللاندكروز : ليلى علوي، لافتراض وجود شبه بينهما، وهي الاستعارة نفسها التي تشيع في السعودية للسيارة نفسها. بالمقابل، يسمي المصريون سيارة الميتسوبيشي: عيون صفية، قاصدين عيني ممثلتهم صفية العمري التي اشتهرت بسعتهما وكحلهما الغامق المثير، لاسيما في مسلسل (ليالي الحلمية).  كل هذا أثارته المعزة الأفغانية، أو التكسي، بحسب بلاغة العربية التي هي السحر بعينه، ولو كنا رأينا المعزة الأفغانية في السبعينيات لأسمينا التكسي بها، ويا عجبي.