ملاحظة من وحي جمعة المتنبي
زيد الحلي
يعرف الأصدقاء، أني قليل الذهاب إلى جمعة المتنبي، وأفضل أن أكون في هذا الشارع الثقافي بأيام الأسبوع الأخرى، رغم إيماني بضرورة الالتقاء بمعارف وأصدقاء وزملاء أعزاء باعدت الظروف بيننا، حيث خف التواصل المباشر، وحل محلّه الهاتف النقال بسؤال بارد، واجابات باردة، ولدي أسبابي في هذا المنحى، منها ملاحظتي لجمهور تلك الجمعة، قلة اهتمامهم بالكتب الثقافية الرصينة، والتوجه إلى عناوين لا تثري الوعي المنشود، والتركيز على مراسم توقيع الكتب في قاعات المركز الثقافي، من قبل المؤلفين، والتجمع في مقاهي شارع المتنبي، وقضاء ساعات فيها، تزيد على أوقات التجوال بحثاً عن الجديد في عالم الكتب، فتساءلت مع نفسي: لماذا هذه الصورة، لا سيما أن بعض من لاحظتهم، كانوا من اساتذة الكليات، وكتاب لهم شهرتهم في الوسط الثقافي والصحفي .. فما الذي حدث لذائقتنا الثقافية؟ ولماذا فقد الشباب عنصر المتابعة الثقافية، واكتفوا بعناوين لكتب بلهاء، تأخذ من جرف أوقاتهم، دون أن تعطيهم زادا ومعرفة، مجرد قتل الوقت، وهو أثمن ما في الوجود؟ لم أجد جواباً، ربما لكوني غير متخصص بعلم النفس الاجتماعي وعارفاً ببواطن "البارا سيكولوجي"… لكن الذي استفزني جداً هذا الانحدار في الذائقة الجمعية الثقافية العراقية… من المسؤول عنها؟ هل المتلقي (القارئ)، أم أن هناك تخطيطا مسبقا للوي ذراع العقل العراقي؟ أسأل فقط… هل أنتم راضون عن ثقافة الجيل الجديد.. وهم أكبادنا تمشي على الأرض، بعكازة من الوهن الثقافي؟،
أدركُ أن واقعنا اليوم يشهد مداً استهلاكياً وضعفاً علمياً، وفسادًا إداريًا وماليًا، لكن ما رأيته هو نكوص وتراجع عن مستوى مكتسبات ثقافية، متحققة في وطن كانت اليونسكو قد تنبأت له قبل عقود، أن يكون واحدا من عشرة بلدان في العالم على صعيد التعليم والثقافة. أعرفُ أن الثقافة نتاج ذهني لمتميزين في المجتمع، والمثقف ينبغي أن يكون فاعلاً وناقداً للواقع، ولديه رؤية واضحة لقضايا المجتمع وإشكالياته في الحاضر، تمتد للمستقبل.
مع تحياتي واعتذاري لرواد جمعة المتنبي.