الشيطان والصديق

الصفحة الاخيرة 2023/09/26
...

حسن العاني

في وقتٍ مبكرٍ من مراهقتي الفكريَّة، رفعتُ شعاراً غريباً على عمري وخبرتي وتجربتي، ولا أدري إنْ كان ذلك الشعار من ابتكاري، أو أنَّني سطوتُ عليه، وأغلب الظن أنني من ابتكره بدليل تمسكي به، والدعوة إليه وما رافق ذلك من ترديدٍ له مصحوب بشيء كبيرٍ من المباهاة – وكأنني اكتشفتُ بحيرة ساوه – أمام زملائي وزميلاتي على وجه الخصوص!
لم يتضمن الشعار الذي يتعلق بالصداقة ما يسيء الى الصديق صراحة أو تلميحاً، بل العكس تماماً، وقد تعزز هذا الرأي في أثناء عملي مستشاراً للتحرير في جريدة "الصباح" مع رئيس التحرير يومها، الزميل والصديق الراحل إسماعيل زاير، رحمه الله، فقد وجدتُ الاستمرار معه ضرباً من المستحيل، ولهذا قدمت استقالتي ونشرتها في الجريدة، وتحدثت عن أسبابها بالقلم العريض، حيث ذكرت بأنَّ صداقتي الوطيدة مع زاير هي التي سمحت لي بالتصرف على هواي، لأنَّ الرجل يتحرج من محاسبتي، ولذلك كنتُ أحضر الى الدوام في الوقت الذي يناسبني وأغادر متى يعجبني، وصداقتي هي التي أباحت لي حريَّة النشر وبالمساحة التي أريد من دون الرجوع إليه، حتى أصبح مثل الزوج (آخر من يعلم) كما يقولون!
زاير بالمقابل استغل صداقتي، ربما بصورة أسوأ، ولأنَّ المجال لا يتسع لتقديم العديد من الأدلة والمواقف، سأكتفي بذكر المرحلة التي تعرضت فيها الجريدة الى ضائقة ماليَّة، كيف تولى تخفيض راتبي من (600) دولار الى (300) دولار، من دون إذنٍ أو اعتذارٍ بكلمة طيبة! على أنَّ أبرز حالات الاستغلال التي صادفتني مع الأصدقاء، هي التي حدثت عندما دعاني صديق – من أكثر أصدقائي علاقة – للكتابة في المطبوع الذي يتولى رئاسة تحريره، ولم تنجح محاولات اعتذاري الحقيقيَّة كوني أكتب في 3 جرائد بغداديَّة ومجلتين تصدران في أربيل (صوت الآخر وﮔاب). وهكذا التحقت بالمطبوع، وبعد مرور اسبوعين فقط، تمَّ إبعاد (مقالتي) عن مكانها المعتاد الذي اتفقنا عليه، وكان عليّ التحلي بالصمت قبل الصبر إكراماً لصداقتنا، وفي الأسبوع الثالث لم تظهر مقالتي، وحين استفسرت من صديقي وأنا في قمة الاستغراب – كان يفترض ألا أستفسر – أخبرني بهدوءٍ وأعصابٍ باردة وقدح شاي ساخن، أنَّ (إعلاناً) زحف عليها.. وبما يشبه المزاح اللئيم قال لي [احصل من وراء نشر الإعلان على 3 ملايين دينار، ومقالتك تسبب لي دوخة الرأس والتهاب القولون العصبي!] وفي الأسبوع الرابع تسلمت أجوري وفوجئت بتقليص 54 % منها على ما اتفقنا عليه. وعلى عادتي التي يعرفها زملائي – وهي أسوأ عادة – لم أزعل ولم أغضب ولم أعاتب.. ولكنني غادرت المطبوع وأنا أردد شعاري القديم: اعمل مع الشيطان ولا تعمل مع صديقك!