عبد الهادي مهودر
حتى وإنْ كانت هي الحقيقة، فقد آلمني وصف صحيفة عربيَّة للعراق بأنه وطنٌ سريع الاشتعال، هل هو فعلاً كذلك، وهل اختصر حريق قاعة العرس في مدينة الحمدانيَّة القصة الكاملة لهذا الوطن؟.
نعم فُجْعِنا بحريق الحمدانيَّة وبعشرات الضحايا والمصابين في الموصل، وكانت النار أسرع من النجدة والموت أسرع من كل شيء، وقبل ذلك كانت كارثة مدينة درنة الليبيَّة، هذه المدينة التي عاشت خائفة من البحر، وجاءها السيل من خلفها على حين غرة، وأصبحت أثراً بعدَ عين، لكنَّ الفارق بين (درنة والحمدانيَّة) أنَّ فاجعتنا لم تفاجئنا، وما هي إلا نتيجة متوقعة وتحصيل حاصل ولدغة جديدة من الجحر ذاته، وليست الأولى من نوعها، وهي صدمة أخرى لأهالي الحمدانيَّة الذين استراحوا للتو من داعش ومن ذكريات نزوحهم الجماعي الكبير، والفرق أننا في هذا الوطن نعلمُ مسبقاً بما يمكن أنْ يحدث وبأنَّ الحرائق ستتكرر باللامبالاة نفسها وبالمسببات ومواد البناء القابلة للاحتراق نفسها، التي ما زالت تستوردُ وتستعملُ في المباني الحكوميَّة والأهليَّة، ويعرف الجميع أنها قاتلة وسريعة الاشتعال، ونعلم بعدم حاجتنا إلى تشكيل وزارة طوارئ وأسطول طائرات مروحيَّة وقوارب إغاثة، لأنَّ كوارثنا بشريَّة وليست طبيعيَّة، من صنع أيدينا وبعلمنا وتوقّعنا وتشخيصنا الدقيق، وبكتبنا الرسميَّة وتحذيراتنا العلنيَّة، ومفارز مديريَّة الدفاع المدني تجري جولات مستمرة وتنذر بكتبٍ رسميَّة من مخاطر حدوث حرائق في هذه المستشفى وتلك الجامعة، لكنَّ القصة تنتهي بتعليق الحلول على شماعة التخصيصات والدعاء بالستر، والفرق يا أخي العربي أننا ندري ولا نفاجأ، ولذلك تمرُّ علينا الفواجع مرور الكرام، كما السيارات المفخخة، التي كانت تضرب بغداد يومياً وتقتل المئات، ونعود في صبيحة اليوم التالي وكأنَّ شيئاً لم يكن، فقد عوّدنا أنفسنا على الأفراح التي لا تدوم، وليس خبر مقتل العريس أو العروس بإطلاق نار إلا خبراً مكرراً ومملاً ومعتاداً ولا يضيف شيئاً الى مشهد الإثارة، خذوه الى صفحاتكم الأولى فلن تجد لهذا الخبر (مانشيت) في جريدة عراقيَّة، وصحفنا تخلو من زاوية الحوادث، بوصفها أخباراً معروفة ومعتادة، ولا تحتاج الى صفحة خاصة ورئيس قسم وتخصيصات.
نحن نموت بشكلٍ سريعٍ في المناسبات السعيدة والحزينة لسببٍ أو لآخر، وإذا كان هناك من يقتلنا من الخارج، فاليوم يقتلنا إهمالنا وفسادنا من الداخل وتقتلنا لا مبالاتنا، وليس الوطن سريع الاشتعال فقط، بل إنَّ المواطن عاملٌ مساعدٌ على الاشتعال، ويتحمل النصف الآخر مسؤوليَّة حدوث الفواجع، إذ يجنُّ جنوننا في الأفراح والأحزان بإطلاق النار، والإفراط والتفريط بكل شيء، وكأنَّ العرس أو المأتم هو نهاية العالم والوليمة هي العشاء الأخير، ومواكب الأعراس شهادة لا مبالاة رسميَّة بسرعتها الجنونيَّة، والنزول الجماعي منها كلما سنحت الفرصة لإطلاق المشاعر والمواهب المكبوتة في الشوارع العامة والتقاطعات المزدحمة، ولوقف هذا الاشتعال نحتاج أولاً الى محاسبة المسؤولين المقصّرين حتى يكونوا عبرة، ومحاسبة ومراجعة أنفسنا أيضاً، ولنتفق على وضع حدٍ لهذه اللامبالاة، وبأنَّ على هذه الأرض ما يستحق الحياة وليس الموت فقط.