حسن العاني
كتب أبو الهوازن، أحمد بن سليمان بن عبدالله، وهو من شخصيات العصر العباسي، المعروف بطمعهِ وبخلهِ وكثرة تشكّيه وبكائه عن غير حاجة حتى بات مضربَ المثل لدى الناس فقالت: أبخل من أبي الهوازن، أو أكثر تباكياً من أبي الهوازن!
أقول: كتب هذا الرجل رسالة الى (البهلول) الذي تنسبه المصادر التراثيَّة الى مجموعة تدعى (عقلاء المجانين) – لأنه جعل من عصاه حصاناً يمتطيه ويطوف به الشوارع – الرسالة التالية [أطال الله في عمرك عمراً، وزاد من علمك علماً، فإنها أيامٌ سود، لا نبتٌ فيها ولاعود، حيث جفّ الضرع، وذبل الزرع، أشكو إليك شكوى العليل، فكله نافع كثير أو قليل، قدرُ سمنٍ أو رطل خيار، درهم أو ألف دينار، ثم اتركها على ذمتي، وعلى جهدي وهمتي، فإنْ أعدتها فتلك شهامة، وإن جهلتها فحسابي يوم القيامة!]
ويروي النص التراثي، أن البهلول – وهو زاهد معدم - حين قرأها استغرب من طلب أبي الهوازن، وهو الذي يعرف بأنَّه أعظمُ حاجة منه، وأنَّه يمضي الليلة على الليلة برغيف خبزٍ إنْ وجد إليه سبيلاً، وما أنْ هدأ استغرابه حتى أخذته نوبة من الضحك لم تعرف الناس لها مثيلا على وجهه، وكتب إليه [أطال الله عمرك، وغفر ذنبك، لن أرد ما طلبت، ولن أعتذر عمَّا أردت، وحق الذي خلقك من الطين اليابس، ووهبك الوجه العابس، لا أملك غير عصا المجنون، حتى ظنوا بي الظنون، فأبعث لي من طرفك حماراً سميناً، ورجلا أميناً، عسى عصاي تكف عنك الجشع، وتحول بينك وبين الطمع!]
• من مسموعاتي، إن أحد السلاطين المعروف بظلمه وقسوته، أصدر فرماناً يقضي بدفن أحد الأشخاص من أبناء رعيته لكونه تباطأ في تنفيذ أمرٍ غير مهمٍ ولا عاجل، وقضى الفرمان دفن الرجل حياً بحيث لا يظهر منه إلا رأسه.. وصدر أمرٌ سلطاني آخر يلزم الناس أن تمرَّ قريباً منه وترميه بأي شيء يعجبها، وتشتمه أو تلعنه كيفما أرادت وطاب لها.. وهكذا بدأ الشباب والرجال يمرون مكرهين، فيشتمون ويلعنون ويرمون الدفين بالحجارة أو الأحذية العتيقة أو الأطعمة الفاسدة..الخ، وهو صابرٌ صامد، وبينما هو كذلك مرّ كذلك أقرب أصدقائه وأحبهم الى روحه فرماه بوردة.. كانت الناس تراقب ما يجري أمامها، في تلك اللحظة ولأول مرة بكى الرجل بكاء مراً، والصديق يعتذر له قائلا [لقد رميتك بوردة ولو لم أفعل لأعدمني السلطان] فيرد عليه [لو كنت مكانك لفضلت أنْ يعدمني السلطان ألف مرة على أن أرميك بوردة!]، بكت الناس وبكى السلطان، وعفا عن المعاقب، ذلك ما سمعته وكنت شاهداً على قصص مماثلة جرت وقائعها وتجري على أيامنا المباركة هذه!.