التاريخ سيحاسب الجميع

الصفحة الاخيرة 2023/10/30
...

عبد الهادي مهودر

لم تصدر هذه العبارة عن زعيم عربي او مسلم أو عن قدّيس، بل قالها الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش ، ليلة السبت العنيف الماضي ، وفي وقت كنا نحن أبناء الشعب العربي من محيطه إلى خليجه نتابع مسلسل القصف الأشد والأعنف على مدينة غزة الفلسطينية، ونشاهد مباريات الدوريات العربية والأوربية بكرة القدم، وبينما كانت أمة الملياري مسلم بحكوماتها وحكامها وشعوبها يتابعون معنا صور النقل المباشر لأبشع حروب الأرض، ومن وراءنا السبع مليارات إنسان، فنحن أبناء هذا الزمان بمختلف لغاتنا وألواننا شهود عيان على كل شيء يستحق أن نغيّره بقول أو بفعل، فلم ننكره ونغيّره بإشارة ولا حتى بهزة رأس أو تمتمة لوقف المجزرة والمحرقة في مدينة غطّت على دمار مدينتي هيروشيما وناگازاكي اليابانيتين، التي صدعت به رؤسنا كتب التاريخ والخطب السياسية، ونحن شهود على ولادة عالم جديد يتم تأسيسه على الدماء والأشلاء والمنازل المدمرة على رؤوس ساكنيها، عالم لاتشيب له رؤوس الأطفال، بل تشيب منه الأرض ومن عليها أمام شجاعة الأطفال الذين نراهم عبر صور البث المباشر يلهون بالموت بلا خوف ولا رياء ويقطعون معه موعداً ويصدقون الوعد ، وأطفال هذه الأمة لن يحاسبهم الله، ولن يحاسبهم التاريخ لأنهم أصحاب القول والفعل والكلمة والموقف، حين شحّت الكلمات والمواقف وصمت العالم صمت القبور، وحين انكشف زيف دعاة العالم الحر ودعاة الإنسانية والحرية والديمقراطية والرأي والرأي الآخر، وتبيّن لنا ضخامة حجم الكاميرا الخفية المنصوبة في كل زوايا العالم، الذي كان يتباكى على ضحايا التلوث البيئي من عوادم السيارات ويقلق على تعكّر مزاج الأسماك في أعماق البحار، والغريب في العوالم الجديدة أنها لا تتشكل إلا على رؤوس أبناء هذه المنطقة المحصورة بين الفرات والنيل، ولكن العالم في كل مرة يأتينا بشكل واسلوب جديدين ودماء جديدة، والذي اختلف هذه المرة أن العالم الراحل للتو كانت على محيّاه بقايا حياء ومروءة، أما العالم الجديد فهو عالم العراة من أي غطاء يستر العورات، ويحفظ ماء الوجوه، وقد جفّت القطرة الأخيرة من جبين العالم المتفرّج،  وليس مستبعداً أن يفقد السيد غوتيريش منصبه بسبب كلمة، ويكفيه ويكفي الإنسان أن يقول كلمته "وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري".