حسن العاني
من الفضائل التي قدمتها لنا الفضائيات مجاناً مايستحق الوقوف والانحناء لها احتراماً وإجلالاً ، لخدماتها المعرفية الكثيرة ، فعلى طبق من ذهب كما يقال أهدتنا عشرات المحللين السياسيين الذين حرروا عقولنا من أميتها المتوارثة منذ خمسين سنة ، مثلما قدمتْ لنا آلاف الشعراء الشعبيين الذين تدفع بهم مئات الفضائيات إلى الواجهة ، بغض النظر عن عدم وجود فضائية واحدة تعرض لنا ندوات ثقافية حول الشعر العراقي (الفصيح) ، والعراق هو موطن الشعر والشعراء لكي تعيد إلى ذاكرتنا الأدبية والعربية والوطنية اعتزازها بالمتنبي والحسن بن هانئ والجواهري والسياب و .. وتتولى تعريف العراقيين بالقامات الشعرية المعاصرة .. ما أحوجنا إلى سماع موفق محمد وكاظم الحجاج وعلي جعفر العلاق وعيسى الياسري وعارف الساعدي وعمر السراي و .. و وهم يتحدثون عن تجاربهم ، ويتحفون ذائقتنا العاطفية والفنية بقصائدهم الغزلية ... ومن فضائلها أنها كشفتْ لنا ذلك العدد الهائل من المحللين الاقتصاديين الذين رفعوا غشاوة عن أبصارنا وأذهاننا وجهلنا ، وجعلونا ندرك بأن السياحة في العراق مثلاً يمكن أن تدر ثروة أضخم من ثروتي النفط والزراعة مجتمعين .. لاعلينا من الذين يتحدثون عن اقتصاد السياحة بدون علم ولا دليل ، فأصحاب الباع الطويل والأُسطوات كثيرون ، لأنهم حملة عنوان ( خبراء اقتصاد) ، بعيداً عن أن لغة (القلة) منهم تحتاج إلى (فتاح فال) لأنهم يتحدثون كما لو كانوا في مواجهة المنتدى الاقتصادي في بروكسل ، وليس أمام عراقيين تتضاعف نسبة الأمية بينهم عاماً بعد عام !!
فهمت عبر متابعاتي الفضائية بأن الشرط الرئيس للسياحة هو الاهتمام بها جمالياً وخدمياً ، واستثمارها بأساليب علمية ، وذلك لكونها (شمولية ) ، وفهمت من مفردة (شمولية) ، أن السياحة في العراق تنفرد عن معظم السياحات في العالم بكونها تجمع ( المواقع الآثارية التي تعود إلى آلاف السنين ، وإلى شتى العصور ) إلى جانب التنوع الفلكلوري وتنوع الطبيعة ( أنهار ، سهول ، صحاري ، جبال ، أهوار) وقبل ذلك ، وربما أهم من ذلك كله ، توفرها على السياحة الدينية ، حيث مراقد ومقامات عدد كبير من أهل البيت والصحابة والرموز الدينية ، ومن حسن حظ السياحة العراقية أنها تتوزع على المحافظات كلها تقريباً .
لو أخذنا بغداد مثلاً أو مثالاً ، فإنها تقدم نفسها بذاكرة ألف ليلة وليلة ، والمراقد والمقامات والنصب والتماثيل والجداريات والقشلة والمقبرة الملكية والكاظمية والأعظمية والمنصور وأبي نؤاس ودجلة والسمك المسگوف .. ولكن السياحة ليست متعاً فقط ، لأن عمودها الفقري متطلبات تلبي احتياج السائح من كهرباء لاتنقطع ومكان آمن وانترنت وأسواق وسكن مريح ووسائط نقل وخدمات مصرفية ..الخ ، ومثل هذه المواصفات غير متوفرة إلا في منطقة واحدة !!
• هاي وين المنطقة ستاد ... الله يخليك ؟!
- لا يا خبيث ..معقولة ماتعرف وين ؟!