زيد الحلي
قليل من يعرف، أنَّ الغزاويين يعتزون بالتسمية التي أطلقها العرب على مدينتهم في سالف الزمان وهي (غزة هاشم) نسبة إلى هاشم بن عبد مناف جد الرسول "ص"، الذي مات فيها وهو راجعٌ بتجارته إلى الحجاز، وقليلٌ من يعرف أنَّ هذه المدينة التي عُرفت بالشجاعة والبسالة والتحدي منذ أنْ عرفها العالم في تاريخه القديم والحديث، يشتهر مجتمعها بكونه فتياً دوماً، نظراً لنسبة الأطفال العالية التي تصل الى أكثر من 50 %، ومردُّ ذلك الخصوبة العالية عند النساء الغزاويات التي تتعدى ستة مواليد للمرأة طيلة حياتها الإنجابيَّة وربما أكثر.
ورغم النكبات التي عانت منها المدينة، إلا أنَّها بقيت شامخة، واسمها ظل مبعث قلقٍ لأعداء فلسطين، وخرج من تحت عباءتها علماءٌ وفنانون وكتابُ قصة، كانت أسماؤهم في صدارة العطاء الثقافي الممتزج برائحة التحدي، وملامح الصبر، وصورة لبهاء المدينة وروعة طبيعتها.
فتاريخ المدينة يشبه رحلة نهريَّة غارقة بالأحلام والسحر وجمال الطبيعة والامل بالتحرير، ومن أعماق تاريخ (غزة هاشم) المترع بالبطولة والأحزان ووسط حقول الزيتون والينابيع التي تغطي معظم أراضيها، ولد إبداع فنّ الكتابة القصصيَّة القصيرة الذي تحول الى أيقونة شكلت الهويَّة الثقافيَّة الغزاويَّة المستقلة.
ومن خلال انشغال الوجدان الغزاوي بالهمّ الوطني المتمثل بالاحتلال، نجد أنَّ القصة القصيرة هي السائدة عند كتاب غزة في داخلها أو من أبنائها في خارجها، مع الاعتراف بأنَّه الفن الأصعب، الذي يحتاج تكثيفاً عالياً ومهارة خاصة من المبدع ليسجّل عوالمه، ورؤاه لمجتمعٍ عريقٍ مثل مجتمع غزة، بكل تطلعاته وآماله، ففن القصة حيٌّ متجددٌ يعبر عن الإنسانيَّة التي تريد أنْ ترسمَ الذات الحقيقيَّة والمتخيلة، ولعلَّ القادم بعد تحرير غزة، سيكون فيه حضورٌ أكبر لهذا الإبداع القصصي.
تحيَّة لأدباء القصة القصيرة في غزة الذين قرأنا لهم، فأحسسنا بنبض مليوني مواطن غزاوي، تحية لعبد الله تايه، سلمان الناظور، زكي العيلة، غريب عسقلاني، صبحي حمدان، محمد علي طه وتوفيق فياض وغيرهم، لقد قاتل هؤلاء ظروف الحياة الصعبة في غزة، فأنتجوا قصصاً تنقذهم من عزلة فرِضت عليهم، وخففت من معاناة مجتمعٍ أريدَ له الخنوع، لكنَّه أبى، وأصرَّ على أنْ يقدمَ الواقع على سجادة من نبض الحياة المفعم بالعزيمة والإصرار.