نموذج من أصدقاء آخر زمن

الصفحة الاخيرة 2023/11/15
...

زيد الحلي

وقف أمامي، وفي عينيه مشروعُ دمعة تلامس جفنيه، لم أسأله عن سبب حالته التي لمستها عنده لأول مرة،
فمنذ أنْ عرفته زميلاً وهو يدخل معترك الحياة،
برغبة جموح، وإصرارٍ على مواصلة العمل بجد، لم
أره إلا باسماً، ويحمل أملاً وبهجة بسعة فجر
الصباح، لكني لم أستمر في السكوت، قلت له: ما الذي حصل؟
قال إنَّ صديقاً له تعرض الى طارئ صحي بسيط، ما لبث أنْ تحول الى مرضٍ عضال، لم تنفع معه مباضع الجراحين، فساءت حالته كثيراً، ما تطلب سفره الى الخارج، فتداعى له الأصدقاء، وقاموا بجمع مبالغ
تساعد على سفره، بينما عرض صديقي سيارته وبعض حاجيات بيته الى البيع بسعرٍ بخس، وبذلك تمكن من
السفر برفقة ابنته، وبعد أسابيع عاد الى بغداد بعد أنْ أجريت له عمليَّة كبرى تكللت بالنجاح والحمد لله.
لكنْ الذي حصل بعد أنْ عاد، إنَّ الصديق لم يتمكن من مواصلة عمله بسرعة، فبقي نزيلَ بيته من دون موردٍ مالي، وفي فترة عطالته تلك، ألحَّ عليه "صديق" ممن قدموا له (معونات ماليَّة) في سفرة علاجه، بأنْ يستردَ ما قدم، وظلَّ يكرر المطالبة، وهدد باللجوء الى القوة، وهذا
الموقف تسبب بعودة المرض الى صديقي.
وقبل أنْ يكملَ زميلي حكايته، انثالت دموعه، ثم تساءل بصوتٍ خفيضٍ يسوده الامتعاض:
هل من الإنسانيَّة أنْ يقومَ صديقٌ قدم معونة لصديقه بالمطالبة بتلك المعونة في ظرف عصيب؟
شخصياً لا أظن أنَّ موقف "الصديق" ينمُّ
عن فعلٍ إنساني، بل هو من عناوين الرداءة والخسة، فهل علم هذا "الصديق" الذي قدم "عوناً" لكنْ حوله الى
كابوس أنَّ الزمن دولاب هواء، فليس للضوء ظلال، ولا للعتمة نور، ولا للذباب مخالب، ولا للغيمة أشواك ولا للخائن أمان، وأنَّ النار تهضم كل شيء رغم أنَّها لا تملك معدة، وصعب على السلطون أنْ يمشي بشكلٍ مستقيمٍ رغم كثرة أرجله، فلمَ هذا الموقف البعيد عن روح الصداقة والاخوة؟.