المنطقة في 2024 .. عامٌ مُثقلٌ بالملفات المُرَحَّلة

آراء 2023/12/31
...

محمد صالح صدقيان
دخل المجتمع المحلي والاقليمي والدولي العام 2024 وهو محمل كعادته بملفات الصراعات والحروب التي لم تجد لها نهاية وان اختلفت عناوينها وجغرافيتها السياسية.فالحرب الاوكرانية ما زالت تراوح محلها في نزاع جيوساسي يراد له أن يرسم معادلة جديدة في صراع المحاور والأحلاف بين الغرب والشرق وصولا لنظام عالمي جديد يطمح الجميع أن يكون الأفضل والأحسن في هذا العالم الذي لايقف علی أرض ثابتة؛ فيما توضع العلاقات الصينية الروسية مع الولايات المتحدة علی نار هادئة انتظارا لما يقرره البيت الابيض بالتوقيت الذي يراه مناسبا لنقل كامل اهتماماته لبحر الصين حتی ان زار الرئيس الصيني شي جين بينغ واشنطن واتفق علی ما يمكن الاتفاق عليه للحليولة دون تصعيد الموقف مع الغريم، إذ يورقها نمو التنين الصيني الذي يريد تنفيذ مبادرة الحزام والطريق.
واذا كانت هناك أزمات وملفات توصف بأنّها تهدد السلم والامن الدوليين؛ الا أن تراجع النمو الاقتصادي العالمي يجعل هذا العامل يشكل خطورة كبيرة يجعله يتربّع علی عرش التحديات التي تواجه المجتمع الدولي خصوصاً اذا ما اقترن مع المشكلات التي تسببها التغيرات المناخية وتأثيراتها في عمليات التصحّر والجفاف وقلة الامطار والتلوث وما الی ذلك من المشكلات التي تدق ناقوس الخطر علی مساحات شاسعة من الكرة الارضية لارتباطها بالامن الغذائي وتداعياتها الخطيرة علی المجتمع البشري.
وقد لايختلف اثنان في منطقتنا التي تعيش علی رمالها الساخنة والمتحركة أن عملية السابع من اكتوبر كانت الحدث الأقوی والأهم خلال العام 2023 والتي دخلت تداعياتها العام 2024 لتنتظر مآلات الحرب التي يشنها الكيان الاسرائيلي علی المدنيين من سكان غزة؛ فضلا عن الحالة الأهم وهي مصير اتفاق أوسلو الذي تستند إليه شرعية السلطة الفلسطينية؛ وكيف ستكون معادلات الصراع مع اسرائيل؟، وما هي آثار هذه الحرب علی القضايا والتطورات الشرق أوسطية؟، وهل أن المنطقة ستشهد ولادة نظام اقليمي جديد من مخاض الحرب علی غزة؟.
ربما أن الاجوبة عن هذه الأسئلة لا تكون متاحة بهذه البساطة لتعقيد هذه الملفات وان العام 2024 معني لايجاد حلول وأجوبة لهذه الملفات المرحلة من العام المنصرم.
في التفاصيل؛ وقع الشرق الأوسط في العام 2023؛ ضحية الادارة الامريكية التي رأسها الرئيس جو بايدن.
هذه الادارة ادارة ضعيفة مترددة خائفة مأزومة داخليا؛ تتقدم خطوة لتتراجع خطوتين؛ لم تملك الشجاعة لاتخاذ قرارات صعبة في جميع الملفات الخارجية التي واجهتها؛ خصوصاً بعد أن جعلت الشرق الأوسط ليس في سلم أولوياتها وسلمته بيد الكيان الاسرائيلي لتتفرّغ كما قالت لمواجهة الصين في بحر الصين.
لقد مهّدت واشنطن ذلك عندما نقلت اسرائيل «امريكيا» من الوسط الاوربي للقيادة الخامسة الوسطی المتمركزة في البحرين وجعلتها جزءاً من الطاقم العربي الاقليمي؛ بل أكثر من ذلك أن الادارة الامريكية جعلت اسرائيل الحاكم بأمر الولايات المتحدة في هذه المنطقة.
إنَّ دخول شخصيات متطرفة في حكومة نتنياهو اليمينية هي من احدی نتائج توكيل الاوضاع في المنطقة لهذا الكيان؛ وان ما حدث في السابع من اكتوبر «لم يأتِ من فراغ» علی حد قول الأمين العام للامم المتحدة أنتونيو غوتيريش؛ هو نتيجة الدولة اليهوديّة التي أعلنتها حكومة نتنياهو؛ هي نتيجة الاستفزازات التي طالت الشعب الفلسطيني؛ هي نتيجة الامعان في المحاصرة والقتل وتدنيس الأماكن المقدسة؛ هي نتيجة مواجهة العواطف والمشاعر الانسانية والدينية التي مارسها كيان الاحتلال.
هي نتيجة زيادة المستوطنات الاسرائيلية علی حساب الحق الفلسطيني والاراضي الفلسطينية.
المشكلة الأساسية التي تواجه المنطقة في العام 2024 أن الولايات المتحدة منشغلة في هذا العام بالانتخابات الرئاسية التي تجری في نوفمبر المقبل؛ وان الادارة الحالية غير مستعدة لتحريك أو التلاعب بأي من الأوراق الخارجية انتظارا لما ستؤول اليه المعركة الانتخابية مع الجمهوريين؛ حيث تتحدث المعلومات عن معركة حامية لم تشهدها الولايات المتحدة بسبب شيخوخة الرئيس بايدن وموقف الديمقراطيين الذي لا يحسد عليه؛ في حين ما زال دونالد ترامب المتهم بعديد القضايا يتربّع علی قائمة المنافسين للترشح في قائمة الجمهوريين.
في مثل هذا المشهد الصعب؛ لا يجعل التطورات الشرق أوسطية تسير باتجاه مستقر خلال العام 2024 ليسهم في دعم وتعزيز الامن والاستقرار في المنطقة حتی وان أسهمت دول المنطقة لتعزيز علاقاتها علی غرار التقارب السعودي الايراني الذي ينعكس علی بقية الملفات الاقليمية علی خلفية الارادة السياسية لتعزيز التعاون والتنسيق التي يتحدث عنها قادة البلدين والمرشحة خلال العام 2024 للمزيد من التقارب علی المستويات الامنية والاقتصادية والسياسية.
في بقية الملفات الاقليمية؛ تبدو أنّها ساخنة وستبقی علی سخونتها خلال العام 2024 ما لم تبادر القوی الاقليمية المحليّة بتحرك جاد لتحقيق مصالحها من خلال التعاون والتنسيق وخلق الفرص التي تستطيع معالجة التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تواجه دول وشعوب المنطقة.