سناء الوادي
لما بدأ الرد الإسرائيلي على عملية السابع من أكتوبر بالقصف الوحشي على قطاع غزة، حددت حكومة الاحتلال المتطرفة عدة أهداف ستقوم بإنجازها بما يشكل منهجية متكاملة للوقوف بوجه هكذا هجمات إرهابية مهددة لأمنهم الوجودي في المستقبل «حسب زعمهم»، فكان على رأس قائمتهم تلك إعادة الأسرى المحتجزين لدى حركة المقاومة الفلسطينية حماس، من ثمَّ القضاء كلياً على قادة الأخيرة واجتثاث الحركة شيئاً فشيئاً من داخل غزة، وفي سبيل تحقيق هذين الأمرين لم تأل إسرائيل جهداً في المثابرة على الإبادة الجماعية لأهل القطاع
ناهيك عن تدمير البنى التحتية والمشافي وقطع الخدمات الأساسية للعيش كالماء والكهرباء والصرف الصحي، علَّ ذلك يُفضي لتحقيق الهدف الثالث المعلن عنه فيما بعد على لسان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بالتهجير الطوعي للفلسطينيين إلى خارج أرضهم، هذا المصطلح الذي يلفّه الكثير من الاستخفاف بعقول الفلسطينيين وعرب الجوار وتوسيعاً لرقعة الصراع على المستوى الإقليمي.
واليوم بعد اكثر من أربعة أشهر على بدء العملية البربرية على الشعب الفلسطيني ماهي الإنجازات التي قدّمها رئيس الحكومة «نتنياهو» لمواطنيه لتبرير الأثمان الباهظة، التي تم دفعها على جميع الأصعدة، ففي عنوان لافت لجريدة هآرتس الإسرائيلية « تتعرض الدولة للإهانة وحماس ستتوج بالانتصار في النهاية « لقد بات الإعلام الصهيوني، لاهثاً عن صورة انتصار يبرزها للشارع المحتقن، فليس هناك انتصار عسكري في ساحة المعركة، ولم يتم العثور حتّى اللحظة على أحد من قادة حماس ولم يجدوا سبيلاً ناجعاً للوصول إلى شبكة الأنفاق، ولم ينجحوا بإجبار مصر على فتح المعابر أمام دخول الغزاويين، ذلك ما أدخل المحللين والإعلاميين في دوامة البحث عن سراب النصر فها هي السردية الصهيونية التي قامت على أساسها دولتهم «الهولوكوست» تتهاوى عند أقدام الأطفال الأبرياء في غزّة وتفقدهم التعاطف العالمي والشرعية الشعبية، لممارساتهم في الإبادة العرقية وتصفية الشعب والقضية والوجود الفلسطيني ككل، فقد بلغت بهم الحماقة مبلغاً يجعل من القناة 12 الإسرائيلية تفرد ساعات من البث المباشر ابتهاجاً بالعثور على حذاء ليحيى السنوار أثناء البحث في ركام منزله، فضلاً عن تلك الأصوات التي تجد في ارتفاع أرقام الشهداء الغزيين انجازاً يقرّبهم من مبتغاهم بإخلاء القطاع من أهله وتوسيع الكتل الاستيطانية فذلك يمثل لهم أيضاً صورة من صور الانتصار بالاتساق مع تصريحات الوزراء المشاركين في مؤتمر عودة الاستيطان إلى غزة الأخير المنعقد في القدس وما تضمنه من الإعلان عن سبعة خلايا استيطانية جاهزة، ناهيك عن أنَّ سياسة تسطيح الأرض التي تحدث الآن على طول الخط الفاصل بين القطاع وإسرائيل والتي تم خلالها هدم 1100 مبنى من أصل2850ومازال الجيش مستمرّاً لإنجاز المهمة بالكامل والتي تُسوَّق على أنها ترمي لإيجاد منطقة معقمة على عمق كيلومتر، منعاً لحدوث «سابع من أكتوبر» جديد وبث شعور الأمان عند مستوطني الغلاف.
والسؤال الأهم المطروح اليوم هل الانتصار المنشود لإنقاذ نتنياهو نفسه من غيابات الاعتقال والمحاكمة أم لإنقاذ صورة إسرائيل التي تهشمت على عتبات محكمة العدل الدولية أم لإنقاذ موقف الولايات المتحدة الأمريكية الغارقة في مستنقع الشرق الأوسط، علّها تكون الورقة الانتخابية الناجعة بيد الرئيس جو بايدن إذا ما آتت وقفته الداعمة لتل أبيب أُكلها وإذا ما حصل عل الجائزة الكبرى التي لم يسبقه عليها رئيس أمريكي من قبل وهي التطبيع السعودي مع إسرائيل بما يكمم التواجد الإيراني الممتد في منطقة الشرق الأوسط، ويحقق التوازنات التي تضمن استمرارية المصالح الغربية في المنطقة.
على المقلب الآخر نجد أن الدُّب الرُّوسي أيضاً يسعى جاهداً للاستغلال الأمثل لما يجري من تصعيدٍ للصراع في المنطقة العربية لينتزع انتصاراً راسخاً في أوكرانيا موجهاً صفعة حادّة إلى الناتو، هذا فضلاً عن العلاقات المتينة لموسكو مع حركات المقاومة في المنطقة تجلّى ذلك في رغبة حماس أن تكون روسيا من الدول الضامنة لصفقة الهدنة التي وافقت عليها كبداية إيجابية لكن وفق رغباتها التي عرضتها على الوسطاء.
في حقيقة الأمر هناك الكثير من الأطراف التي تبحث عن صورة انتصار للاستفادة من مجريات الأحداث إلا الطرف الفلسطيني الذي انتصر فعلاً، وهشّم جبين الكيان الغاصب وفضح زيفه أمام العالم أجمع وأعاد القضية الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات كقضية شعب منتهك ومحتل وموجود لأول مرة تاريخياً بهذا
الزخم.
كاتبة سورية