عن أنظمة الحكم

آراء 2024/02/13
...

ميادة سفر

تعددت أشكال أنظمة الحكم عبر تاريخ الفكر السياسي، وتميزت عن بعضها من عدة جوانب، سواء من حيث عدد الأفراد الذين يتولون الحكم، أو مقدار المهام التي يقومون بها، وحجم السلطة التي يتمتعون بها، والكيفية التي يتم بها انتقال وتداول السلطة بين الأفراد أو الجماعات، ويبدو أنّ الإغريق هم أصحاب الفضل الأول في دراسة أشكال أنظمة الحكم من خلال مفكريهم وفلاسفتهم الذين تركوا أفضل نتاجات الفكر السياسي للبشرية، وقد كان «أرسطو» من أوائل الفلاسفة الذين صنفوا الحكومات إلى عفيفة ضمت الملكية والارستقراطية والديمقراطية، وحكومات قذرة ضمنها الاستبدادية والغوغاء.
في العصور الحديثة سوف تظهر العديد من المؤلفات ويبرز عدة أسماء لمفكرين قدموا اسهامات عظيمة في مجال الفكر السياسي، حيث بدأ الحديث عن نشأة السلطة، وكيفية تطورها، سواء من فلاسفة العقد الاجتماعي أمثال هوبز ولوك وروسو، أو غيرهم من فلاسفة تمكنوا من تقديم دراسة غنية للأنظمة الحكم والسلطة وكل ما يتفرع عنها، فضلاً عن المفكر الأكثر شهرة «مونتسكيو» الذي قدم في كتابه «روح الشرائع 1748» معالجة لمفهوم النظام السياسي وتحدث عن مبدأ فصل السلطات الذي يعتبر أحد أهم الوسائل القانونية لتجنب الاستبداد السياسي ومحاولة تجاوز السلطة والطغيان، وما زال حتى يومنا هذا أحد أبرز مطالب الحركات الشعبية والثورات.
قسم مونتسكيو الحكومات إلى ثلاثة أنواع: «الجمهورية والملكية والمستبدة، فالحكومة الجمهورية هي تلك التي تكون السلطة ذات السيادة فيها للشعب جملة، أو لفريق من الشعب فقط، وإذا كانت السلطة في قبضة الشعب سميت ديمقراطية، أما إذا كانت في يد فريق منه سميت ارستقراطية».
تتنوع أشكال الحكم في البلاد العربية ما بين الجمهوري والملكي، وكثيراً ما سعت الشعوب بعد الاستقلال إلى إقامة أنظمة جمهورية نجحت في بعض الدول، بينما حافظت دول أخرى على نظامها الملكي الذي تنوع ما بين الملكية المطلقة والدستورية والبرلمانية، وتتبع 43 دولة حول العالم الحكم الملكي بينها خمس دول عربية، ويعتبر الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز أحد أبرز مؤيدي الملكية المطلقة، حيث اعتبرها وحدها القادرة على إنهاء الصراع بين أفراد المجتمع من خلال الخضوع لحاكم واحد، وفيها يتمتع الملك بقوة السيطرة على الدولة بجميع مؤسساتها وتنتقل السلطة بالوراثة، وهناك الملكية البرلمانية والملكية الدستورية التي تتبعها المملكة الأردنية والمغرب على سبيل المثال، وفيها يتمتع الملك بصلاحيات أوسع من تلك التي يتمتع بها في الملكية البرلمانية.
يقوم الحكم الجمهوري الذي تعود أصوله إلى الحكم اليوناني على مبدأ أنّ الشعب هو مصدر السلطات، فهو الذي ينتخب الحكام ويفوضهم بالسلطة، ويعول عليه في استمرار الحكام في السلطة من عدمه، وبالتالي يتعرضون للأبعاد بمجرد فقدانهم للتأييد الشعبي، وللحكم الجمهوري أشكال عدة منها الرئاسي الذي يتولى فيه رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، حيث السلطات كلها بيد الرئيس الذي يعين الحكومة التي تتولى تنفيذ برنامجه السياسي، ومنها النظام البرلماني وشبه الرئاسي اللذين يعطيان صلاحيات أكبر للبرلمان أو الحكومة.
في الدول العربية تتنوع أشكال الحكم، وتبدو كل دولة سواء الدول الجمهورية أو تلك الملكية وكأنها ترسم شكلاً مختلفاً وخاصاً بها من أنظمة الحكم، فهناك الجمهوري الذي جمع قيادة الحزب الواحد والرئاسي وشبه الرئاسي بآن معاً، وثمة الملكي الذي يوصف بأنه دستوري بينما يتعاطى في الظل بموجب ملكية مطلقة، إلى غيرها من أشكال سجلت لبعض الدول العربية، دون أن تتمتع شعوب هذي الدول بأي من مزايا أنظمتها الجمهورية أو الملكية، فلا حديث عن الديمقراطية إلا ما ندر، ولا جرأة للمطالبة بتغييرات دستورية أو قانونية.