العلمانيَّة العربيَّة.. الجذور والمنطلقات

آراء 2024/02/15
...

علي المرهج

أول من استحدث كلمة علمانية بالعربية هو (الياس بقطر) واضع المعجم الفرنسي- العربي الصادر عام (1828). وخلافا للاعتقاد الشائع، فإن كلمة علمانية غير مشتقة من العلم، بل من العالم، وعلى هذا فإن العلماني هو من ينتسب إلى العالم أو العالمين أي الناس، في مقابل الرباني المنسوب إلى الرب. وبذلك يكون الاشتقاق العربي المستحدث مطابقا للاشتقاق اليوناني- اللاتيني الذي يعني العامي أو ابن الشعب أي المدني غير المتعلم. ولكن ليس من قبيل الصدفة أن تذهب الاذهان إلى العلم عند ذكر العلمانية
فما ذلك لتشابه في اللفظ فحسب، بل كذلك الصلة المضمونية. فالعلماني هو بالإجمال من يأخذ بالتصور العلمي للعالم في مقابل التصور الديني. وإذا كانت الألفاظ تفهم بأضدادها، فإن نقيض العلماني هو الإكليريكي أي من ينتسب إلى الإكليروس وهم طبقة رجال الدين أو من يناصر الإكليريكية، وهي مذهب يقول بضرورة تدخل رجال الكهنوت في الشؤون العامة.
والواقع إن إشكالية العلمانية هي تاريخياً إشكالية غربية، وفي المقام الأول فرنسية. ففي فرنسا صيغ المفهوم الأول مرة، وفي فرنسا أيضا عرف الصراع بين الدولة والكنيسة أكثر أشكاله ضراوة، وفي فرنسا أخيرا تطور، عبر فلسفة الأنوار، فكر فلسفي معاد للدين أو لرجاله أو لكليهما معاً.
ومن الممكن القول إن المسيحية هي التي أعطت العلمانية فرصة رؤية النور. فعلى الرغم من أن الكنيسة مارست هيمنة شبه مطلقة على الدولة بدءاً من تنصر الامبراطور قسطنطين وعلى إمتداد الألف سنة التي تتألف منها العصور الوسطى، فإن المسيح يمكن أن يعد هو الزارع الأول لبذرة العلمانية عندما دعا على نحو لا يحتمل التباسا إلى الفصل بين السلطتين الزمنية والروحية بقوله: «أعطوا لقيصر ما لقيصر، ولله ما لله».
وابتداء من عصر النهضة حدث ما يشبه الانقلاب في العلاقة بين الكنيسة والدولة. فبعد أن كانت الكنيسة هي التي تسعى باستمرار إلى استتباع الدولة، صارت الدولة، وخاصة من خلال الحكومات الملكية المركزية القوية، هي التي تتطلع إلى إستتباع الكنيسة وربطها بعجلة مصالحها.
ما كان لفكرة فصل الدولة عن الكنيسة أن ترى النور لا في القرن السادس عشر ولا في القرن السابع عشر، إذ ما كان للدولة أن تبتر نفسها بنفسها، بعد أن أضحت الكنيسة عضوا من أعضائها. وفي الواقع كان لا بد من انتظار أواسط القرن الثامن عشر حتى تتفجر، من خلال فلسفة الأنوار، نزعة ضارية في عدائها للإكليريكية، لا على الصعيد النظري فحسب، بل كذلك على الصعيد العملي، من خلال الإجراءات القانونية والاقتصادية التي إتخذتها الثورة الفرنسية ضد الكنيسة والسلك الكهنوتي. ومن وجهة نظر فلسفية خالصة وجدت الأيديولوجيا العلمانية أو المعادية للإكليريكية خير ناطقين بلسانها في أشخاص مفكرين مشاهير من أمثال روسو وفولتير ومونتسكيو وديدرو ودالمير الذين جعلوا من المادة مبدأ أولا ومن الإنسان، لا الله، مركزاً للكون.
1ـ الانتماء إلى هذا العالم وإعطاء المركزية للعقل والاحتكام إلى معطيات العقل. وكل ما يخرج عن قدرة العقل فهو يعد هراءً، ويترتب على هذا الاحتكام للعقل ونقد الميتافيزيقا. وإن من أهم مميزات الفلسفة المعاصرة هو الموقف النقدي من الميتافيزيقا والاعتراف بسلطة العقل، ويترتب عليها أيضاً التقليل من أهمية المباحث القيمية والاخلاقية، فضلا عن مرتكزات عدم اهتمام العلمانية بالميتافيزيقا وفي أحيان أخرى رفضها كلياً كما فعلت الوضعية المنطقية.
2ـ (فصل الدين عن الدولة)، وهي القضية الأساسية، التي كانت سببا في ظهور التيار العلماني.
 3ـ  ترى العلمانية أن الإنسان هو المركز، وذلك لأن العقل هو مصدر العلم والمعرفة، وذلك يكون عند العقليين. أما عند التجريبيين فإن بالإمكان الوصول إلى يقين المعرفة عن طريق التجربة. وفي كلا الحالين يكون الانسان هو مصدر تقييم المعرفة.
4ـ الايمان بقدرة العلم على حل مشاكل الإنسان وهو الاتجاه الذي ينتمي إليه ويدافع عنه اصحاب الاتجاه العلماني
5ـ تهتم العلمانية بالطبيعة والسيطرة عليها وإنكار أو تحييد الميتافيزيقا واللاهوت والثيويولوجيا.
6ـ يعتقد دعاة العلمانية في الفكر العربي بضرورة الحوار مع الآخر والانفتاح والتسامح على المستوى العلمي والمعرفي.
 7ـ تؤكد العلمانية على أهمية مبدأ المواطنة، وعدم التمييز بين موطن وآخر على أساس دينه أو عرقه أو عقيدته أو قوميته أو مذهبه.
 8ـ ليست العلمانية مذهبا فلسفياً، بل مذهب قانوني - سياسي، ولكنها غير منقطعة الصلة بالفلسفة، لأنها في جانبها النظري نتاج للنظر العقلي ولأنها في جانبها العملي تنبثق عن جملة من الممارسات والإشكاليات التي تتصل بالعلاقة بين الدين والدولة، بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية. وبالتالي بين الثيولوجيا والانثروبولوجيا، أي بين الالهيات والإنسانيات.