الزمن الجميل

آراء 2024/02/20
...

 د . صادق كاظم 


يتحسر البعض وبقوة على ما كان يعرف بالزمن الجميل وخصوصا في فترات عقود الثمانينيات والتسعينيات حتى مطلع الألفية الثالثة من خلال استذكارات وهمية وترحما على ما يعرف بأزمنة الخير والهدوء ويصبون تلك الاستذكارات في مقارنة غير عادلة مع العصر الحالي التي تكشف عن الحنين المرضي إلى أزمنة القسوة والاستبداد مما يؤشر خللا نفسيا لدى من يقدم تلك الاستذكارات التي يعلم جميع من عاصر تلك الفترات بأنها لم تكن بتلك الصورة الوردية عندما دشن نظام الطاغية عصره الجميل بإشعال الحروب وتدمير وتخريب البلاد ومطاردة وملاحقة المواطنين تحت مطالب التجنيد وتشكيل الجيوش الورقية الكارتونية التي كان يتحدى فيها النظام خصومه بطريقة دونكيشوتية بائسة ومؤلمة .

صحيح أنه كان هناك بعض الرخص في الأسعار وعدم وجود بعض السلوكيات الاجتماعية التي ظهرت حاليا، وهو نتيجة طبيعية لحالة الانغلاق التي كان يعيشها العراق في تلك الفترة وحيث بنية النظام الأمنية البوليسية الصارمة التي كانت تراقب وتمنع شبكات الانترنت والهواتف المحمولة من الوصول إلى المواطنين لهواجس وأسباب أمنية ، إضافة إلى أن البلد كان يخضع إلى عقوبات أممية صارمة لم تكن تسمح بتصدير اية سلع او معدات متطورة إلى العراق  .

هذا التحسر على الأزمنة السابقة وفق انطباع خاطئ بأن ماضينا أجمل من حاضرنا هو نتاج عقل جمعي ازدواجي كان هو بالأمس يتذمر ويعاني من تلك الأزمنة الصعبة التي عاشها ويتمنى الخلاص منها في وقتها  حتى يعود مرة أخرى ليتحسر منها هربا من حاضره ومستقبله .

الأزمنة الجميلة تصنعها الشعوب وتفرضها بقوة من خلال ارتفاع مستوى الوعي الثقافي والاخلاقي والسلوكي لديها مهما كانت الضغوطات عليها تسندها منظومات أمنية وقضائية عالية الاحترافية والنزاهة تتمكن من تطويق واجهاض تلك الاختراقات والسلوكيات الطارئة المدانة وحماية المجتمع من تداعياتها السلبية .

صناعة الزمن الجميل تحتاج إلى تشذيب واجتثاث العادات والسلوكيات الضارة من خلال فرض القانون وتشديد العقوبات إلى حد الاعدام بحق المتورطين بجرائم العنف والمخدرات وعدم التساهل والتسامح بحق أفراد العصابات والأفراد الذين يستغلون تسامح القانون وضعف اجراءاته  لفرض اجنداتهم الاجرامية المتخلفة التي يعاني المجتمع من آثارها ويخفف العبء على كاهل الأجهزة الأمنية التي يخوض ابطالها حربا حقيقية وصعبة ضد أشرس العصابات، فضلا عن المبتزين والخاطفين الذين لم يبالوا بمعاناة ضحاياهم ولم تردع  العقوبات غيرهم عن

الاستمرار.

سألت مرة رجلا صينيا إلى كم شرطي تحتاجون لفرض النظام في بلد يبلغ تعداده مليار ونصف المليار نسمة فأجابني بأن عدد الشرطة لديهم قليل بفضل التزام المجتمع  أن الجريمة تعتبر بمثابة وصمة عار تلاحق الشخص المجرم وأفراد أسرته للأبد، إضافة إلى  الأحكام القضائية الصارمة  والأهم من ذلك كله أن الحكومة الصينية تعدم أي فرد يعمل في سلك الشرطة يتقاضى اية رشاوى ولو كانت صغيرة من المجرمين او يتعاون معهم .