ساطع راجي
في مقدمات كل فعل أو مرحلة إشارات إلى شكل النتائج المنتظرة، وبعض المقدمات فادحة في قدرتها على الدفع إلى اليأس، مثل قصيدة الشاعر ابن هانئ الاندلسي (ت 362 هـ) التي بالغ فيها بمديح المعز الفاطمي (ت 365 هـ)، وهو يدخل مصر لأول مرة، حتى صارت القصيدة مثلا في كل ما يدفع لليأس والتشاؤم فصاغها المصريون مثلا ( أول القصيدة كفر).
والمبالغات في التعقيد والتحاصص التي شهدتها الجلسات الافتتاحية لمجالس المحافظات تدفع بالمثل إلى اليأس والتشاؤم، إذ كانت الطرق الملتبسة في عقد صفقات تقاسم المناصب والظروف الغامضة لعقد الجلسات دافعا لإستعادة كل النقد، الذي وجه إلى مجالس المحافظات ثم التظاهرات المطالبة بإلغائها واعتبارها حلقة فائضة ومعرقلة لإداء المؤسسات الخدمية وإنها مجرد مجالس تمثيلية للأحزاب من أجل توزيع المغانم وغيرها من فقرات قوائم النقد والذم الطويلة المعروفة. كان على القوى السياسية التي تمسكت باحياء مجالس المحافظات وإجراء انتخاباتها، العمل بحرص على إنقاذ سمعة هذه المؤسسات الدستورية ووظيفتها الاصلية المهمة في إيصال مطالب المواطنين للمسؤولين ودفع الدوائر الخدمية للقيام بواجباتها والمطالبة بحقوق المحافظات في أروقة مؤسسات المركز، لكن ما حصل هو العكس تماما حيث طغت مصالح الأحزاب في المركز على عمل المجالس في مرحلة إنطلاقها.
إن الإصرار على تضخيم المؤسسات وتنصيب أكثر من نائب لكل محافظ ولكل رئيس مجلس محافظة، هو رسالة سيئة للجمهور وتأكيد على التقاسم والتحاصص وزيادة الانفاق وتعقيد الأداء وكل هذا يدعم مواقف الرافضين للمجالس والمقاطعين للانتخابات، ويشير إلى إمكانية ظهور موجة غضب شعبية بمجرد توفر الظروف المناسبة أو توفر القوة المنظمة للاحتجاج. وجود النص الدستوري المنظم لمجالس المحافظات أو لأي مؤسسة أخرى لا يعني إن المواطنين سيقتنعون بها بالضرورة إلا إذا حققت الغاية المستهدفة من وجودها، ولا تؤدي إلى تعقيد العمل الخدمي وتوتير المناخ السياسي، فالمعروف في بلادنا إن كل ترضية لطرف بمنحه مناصب ومغانم ستؤدي إلى إثارة غضب أطراف أخرى ودفعها للمطالبة بترضيات مماثلة ولن يتحقق هذا إلا عبر مواجهات ومقاطعات وشكاوى تعصف بمجالس المحافظات وتضع المسؤولين التنفيذيين في المحافظات تحت رحمة المطالب الحزبية، وهو ما حدث سابقا حتى تطورت الأمور إلى التظاهر والعنف والاتلاف والحرق. القصيدة المأساوية لمجالس المحافظات السابقة ما زالت حاضرة في الاذهان، وهي قريبة زمنيا وكثير من المشاركين بنظمها ما زالوا أحياء فاعلين في المشهد السياسي، ومع ذلك هرولوا إلى إعادة إنشادها بذات الأخطاء وبذات الافتتاحية المبالغة في التعقيد والغموض والمحاصصة، وكأن أحدا لم يسمع بتذمر الجمهور ولم يشاهد غضبه ولم يدرك حضيض العنف الذي يمكن أن نسقط فيه بسبب هذا الأداء السيئ.