ملاحظة عن أمل خضير

الصفحة الاخيرة 2024/02/25
...

محمد غازي الأخرس

أمس مررت بملاحظة كتبتها منذ سنوات عن أغنية من روائع المطربة أمل خضير، ملاحظة دوّنتها على أمل العودة لها بمقالة لاحقاً، لكنني نسيتها وها أنا أصادفها.
الملاحظة التي نفضتُ عنها غبار السنوات تتعلق بأغنية "يالعلمتني الهوى"، التي لحنها المبدع البصري ذياب خليل، وكتبها طاهر سلمان، أي أن الأغنية بصريَّة بأركانها الثلاثة، أمل وذياب وطاهر.
أتذكّر أنّني في إحدى الليالي، قبل أن أنام، استمتعت بالأغنية، ولشدّة تأثري خطر لي أن أكتب انطباعاً سريعاً عنها، فدوّنت: هذه أغنية فيها توسّل ورجاء، فيها عتب رقيق يوجهه قلب مشلوع من عاشقة تتوجس الهجران، إلى حبيب يبدو أنه هجرها، لكنها من فرط أملها به، تخفف الأمر بأن تصفه بالغياب.
أغنية تقوم على حجاج وجداني يعرض بلهجة خائبة، فاللحن مصاغ تعبيرياً وفق ثيمة قدّمتها الكلمات، ثم أكملت أمل خضير ترجمتها بأداء شديد الرهافة، مع استثمار بارع للأنوثة وانكساراتها.  نعم، تستثير العاشقة كلّ أنوثتها عبر الصوت والأداء لإقناع الحبيب بشدّة أذى الفراق عليها.
لكأنّها تذكّره وتحاججه برقّتها وخضوعها العاطفي اللذين قد يكون نسيهما في حمأة غضبته عليها.
إلى هنا انتهت الملاحظة، وعليّ الآن إكمالها بالقول إنّ كلمات طاهر سلمان أنتجت هذا الجو الميّال لثيمة التوسّل والترجّي: يالعلمتني الهوى.. علمني طبع الصبر.. كل ساعة بغيابك سنة.. ما بيه حيل أنتظر.. لو صرت دومك وفي.. شمعة آنه ما أنطفي.. وما تشوف مني الهجر. هناك نزعة حجاج واضحة تتمثل بالأداة "لو" التي هي حرف امتناع لامتناع تفيد الشرط. أي لكي يحدث الأمر الثاني، يتوجّب حصول الأمر الأول: لو صرت دومك وفي.. شمعة آنه ما انطفي، وبالضرورة تكون النتيجة المتحصلة: ما تشوف منّي الهجر.
ليس هذا حسب، فما تبدأ به الأغنية في المذهب، يترسخ في الكوبليه الأوّل؛ المقدمة المنطقية هي: أنت أصبحت فرحتي، ودنية مسراتي.. ويا ريت أكضي بفرح، وياك ساعاتي، ثم تعضد هذه المقدمة بأخرى: تدري انته بمعزتك، لا تطوّل غيبتك، بالتالي تكون النتيجة هي ذاتها؛ وما تشوف منّي الهجر. لقد صيغ هذا الحجاج العاطفي بلحن تعبيري توسّلي إذا صح الوصف، فكان لا بدَّ من أن تترجمه أمل خضير بطريقتها المبهرة ليأتي كأجمل وأرقّ ما يكون. كلّ نأمة، كلّ تكسيرة صوت، كل لفتة، كل جملة لحنيَّة، كلّ شيء يوحي وكأنّ العاشقة تحاول "كسر خاطر" عاشقها الغائب، وتقنعه أنّها مغرمة به، ولا تستطيع صبراً على فراقه.
تحفة نادرة، تذكرتها اليوم، فأطال الله عمر صاحبتها أمل خضير.