من إينوما إيليش الى الطنطل

الصفحة الاخيرة 2024/02/27
...

مفيد عباس

كل ما زادت سعة الخيال عند الشعوب، زادت معها الأساطير وكثرت القصص وترددت على ألسن الناس حتى يصدقونها وتتحول الى حقائق وبديهيات مسلّم بها.
لو أن منظمة مختصة بإحصاء وتقييم الشعوب الأكثر خيالاً قامت بدراسة حقيقية، لدي ظن يصل الى حد اليقين بأن العراقيين سيتصدرون شعوب الأرض بجدارة، فخيالنا موغل في القدم ومشهود له، فهو الذي ألّف ملحمة التكوين البابلي (اينوما إيليش) وهو الذي كتب قصة (گلگامش) وهو الذي سرد قصة الطوفان العظيم وهو نفسه الذي سطّر صراعات الآلهة حتى تمكن الإله مردوخ من السيطرة عليهم وخلفه ابنه نابو، فكانت تلك القصص وعشرات غيرها، بحسب مؤرخين وباحثين، أساسا لما ورد لاحقاً في العهد القديم.
خيالنا هذا هو نفسه الذي حوّل شكسبير.. المؤلف والشاعر البريطاني الشهير، الى (شيخ زبير) وإن من باب الطرفة، لكنها لو ترددت كثيراً وأعيدت، ستصدقها الأجيال اللاحقة وتتحول الى بديهيَّة، كما صدّق الكثير منا سبب تسميتنا للرز بـ(التمن) الى ان ماركة طبعت على اكياس الرز اسمها (Ten men) مع قدوم الانگليز الى العراق وتحولت تدريجياً الى تمن، ونسينا او تناسينا ان بيت ابو التمن عائلة عراقية بغداديَّة عريقة تمتد جذورها الى ما قبل قدوم الانگليز بعشرات السنين وابرز شخصياتها داود ابو التمن وحفيده جعفر ابو التمن وهو من ابرز السياسيين المناهضين
للانگليز.
كما حوّل خيالنا أمين الدين مرجان مولى السطان الجلائري أويس بن الشيخ حسن، باني جامع مرجان الشهير في شارع الرشيد والمدرسة المرجانية التي أزيلت بسبب تطوير الشارع نفسه وخان مرجان المعروف في شارع السموأل ببغداد الى انه ايطالي الاصل واسمه
مورگان.
ولكثرة ما تردد عن أصل كلمة صمون بأنّها تعود لرجل أرمني اسمه سيمون كان أول من صنع هذا النوع من الخبز العراقي الشهير، وثق بها غالبية ساحقة منا، ولو كلفوا أنفسهم قليلاً في البحث عبر محرك البحث الحاج (گوگل) وكتبوا كلمة somun فقط، سيجدون أنّه نوع من أنواع الخبز العثماني وانها تسمية عثمانية انتقلت حتى لدول اوربية كانت تحت سيطرة العثمانيين.
نعم إنّنا نتصدر لائحة الشعوب الأكثر خيالاً والأكثر
طناطلا.