خضير الزيدي
في المركز الاجتماعي لمدينة فلورنس في اريزونا، قدمت الفنانة العراقيّة روش بنيامين المقيمة في امريكا معرضها الشخصي بعد خمسة معارض في بغداد، ومعرضا شخصّيا في عمان، ومعرض للكنيسة والعديد من المشاركات من ضمن معارض جماعية، كانت السمة التي ميزتها عن أقرانها الالتزام بالمدرسة التجريديّة متخذة من طبيعة الألوان المنسجمة والمختلفة انعكاسا لتوجه معرفي وبصري تسعى إليه منذ زمن، فهي لم تخرج عن منظومة الانتماء للفن التجريديّ، وكأن اندفاعها ينمي شعورا عند المتلقي لأعمالها بما ترغب في توضيحه عبر منظومة الرسم.
الملفت هنا أنها لا ترغب في التنوع من تعدد الأشكال، بل وقعت تحت طائل فن يتمتع بنسق جماليّ يخضع أمام أعين من يشاهد عن كثب لوحاتها فما الذي تغير في معرضها
الأخير؟
تعمل هذه الفنانة وفقا لإيقاع رمزي تجدد لعبة ذلك الايقاع عبر طاقة الألوان والشعور الحي بملمس قماشة اللوحة، وبقدر ما نجد صفاء ووضوحا في العمل الفني فإن طريقتها تأخذنا لعوالم الفطرة وما تتسرب في اشكالية التعبير فيه من غموض، فنحن لا نجد ما يمدنا بتراكيب مثيرة هناك مساحات لونية تمثل حدسا وشعورا وتترك فسحة للمتخيل، وهي من السمات التي تظفر بها هذه الفنانة، كأنها ترسم اشارات وخيالا في قوة الرسم ويصعب فهم ما تصبو اليه.
ولعل هذه النزعة في فنها تمثل جانبا نفسيا مفاده أن لجوءها إلى التعبير في طاقة اللون، هو تصوف من نوع خاص، فهي ترغب برؤية العالم من زاوية مختلفة، وتتعامل مع الشعور بحصيلة لا يمكن السيطرة عليها نفسياً.
فما الذي تبتغيه هذه الفنانة من إقامة معرض فني غارق في التجريديّة؟
يدفع الرسم بروش بنيامين إلى لحظة استرخاء وتفكير فجذب لحظة تحاط بهالة من الصفاء لن تكون خارجة عن فعل الرسم والاستجابة لمخلفاته ومجاراته، لنقل بأن روش تتعامل مع القماشة البيضاء بحذر، وطريقتها في الرسم أتت عن احتكاك مع رؤية الطبيعة وأجواء السماء الصافية.
والغرض من كل ذلك الهوس هو فهم طبيعة ما يجول في نفسية الإنسان من صفاء ذهني أو تأمل لبعد روحي.
إذن نحن أمام عقلية تدرك أن للفن قيماً ومؤثرات بصريّة ونفسيّة وشعورا داخليا يملي على المتلقي المزيد من الأفكار من خلال الرمز ومهيمنات التأثير البصري، فهل تنجح فكرة الفن التجريديّ في بلد مثل امريكا خبر الفنون الحديثة بكل الأساليب والتوجهات المعرفية؟
عندما يطرح مثل هكذا تساؤل سيكون بموازاة الرسم وقائع لا تبتغي لأحد أن يتجاهلها، وواحدة من تلك الوقائع الأخذ بطابع الجو الرومانسي عند الإنسان والعودة إلى الذات وتأمل ما يجول في داخلها أو خارجاً عنها.
إن الفن التجريديّ لا ينبغي التفريط به، لأنه يحرك مشاعرنا من خلال عاطفة ووجدان مطلق، وهذا ما تريده روش من خلال رؤية أعمالها الأخيرة، وهنا تكمن مدركات المغزى الجماليّ والتماهي مع الطبيعة التي يتعامل معها الإنسان بحذر، فالمناخات التي تأخذنا إلى تعبيرية صادقة في كل عناصر ووحدات الرسم عندها هي متجزئة من إيمان بقيم الإنسان وصدقه، بل وحتى هويته.