اندريه رايدر.. الموسيقار المجهول في الموسيقى العربيَّة

ثقافة 2024/03/27
...

سامر المشعل 



كثيراً ما كان يظهر اسمه في وضع الموسيقى التصويرية للافلام المصرية القديمة، لكن المشاهدين وحتى المختصين في مجال الموسيقى، لا يعرفون إلا النزر القليل عن اندريه رايدر، وظلت بعض الزوايا من حياته يلفها الغموض حتى رحيله.

الموسيقار اندريه رايدر (1908 - 1971) من أصول يونانية، هو الذي وضع أسس التوزيع الموسيقي في الموسيقى العربية عموما والموسيقى المصرية خصوصاً، ويعود له الفضل في الارتقاء بالموسيقى العربية، وتطورها من خلال لمساته السحرية في ادخال الهارموني في توزيع الاغاني. يقول الملحن حلمي بكر " قبل رايدر كان الموزعون يعملون حليات على الالحان، لكن رايدر عمل توزيعا موسيقيا حقيقيا لفت الانظار اليه، وجعل الملحنين يشعرون أن هناك توزيعا بجمالية عالية واتقان".  وضع رايدر الموسيقى التصويرية لما يقرب من ثمانين فيلماً مصرياً منها: دعاء الكروان، حسن ونعيمة، نهر الحب، نهارك سعيد، غروب وشروق، اللص والكلاب.. إلخ".

يُقال إن محمد عبد الوهاب هو أول من تعامل مع رايدر، وكانت له حصة الاسد في توزيع اعماله. ومن الاغاني التي وضع التوزيع الموسيقي لها:" أهواك، جبار، انا لك على طول.." لعبد الحليم حافظ، واغنية" انا والعذاب وهواك، لا مش انا اللي ابكي.." لمحمد عبد الوهاب، واغنية " حكاية غرامي" لفريد الاطرش.. وغيرها.

برز دور رايدر في تلحين وتوزيع الاناشيد الوطنية الحماسية التي ما زال المصريون يتغنون بها، مثل "والله زمان ياسلاحي" الذي لحنه كمال الطويل واعتمد كنشيد وطني لمصر انذاك، ونشيد "على باب مصر" الذي لحنه محمد عبد الوهاب، وقاد اندريه رايدر بنفسه الفرقة الموسيقية لأم كلثوم.. ووضع الموسيقى لـ "انشودة الوداع" بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر.

ولد اندريه رايدر في اليونان، وتعلم العزف على آلة الترومبيت وهو بسن 12 عاما، وعندما وصل عمره الى الثلاثين ربيعاً عمل فرقة جاز طاف بها الكثير من دول العالم. وعندما وصل الى مصر أحبها و"تمصر" واستقر فيها حتى رحيله، كان يذهب الى السيدة زينب والمساجد يستمع الى الاناشيد الدينية والابتهالات.. لامس رايدر الروح المصرية في التوزيع الموسيقي، ووضع الموسيقى العالمية على طبق من ذهب لخدمة الموسيقى العربية.

في العام 1970 كرمه الرئيس عبد الناصر بمنحه الجنسية المصرية وقبل ذلك قلده بالميدالية الذهبية، وكان يحصل كل عام على جائزة أفضل موسيقى تصويرية. وفي العام 1971 دعي للمشاركة وتكريمه في مهرجان ديلمار في تشيلي هو والفنانة منار ابو هيف، الذي لحن لها أغنية "قوللي قوللي"، التي اشتهرت عالمياً بعد ترجمتها الى الاسبانية. وقد استقبله الرئيس التشيلي احتفاءً وتقديراً لمكانته، وعند تجواله في شوارع سانتياغو، تعرض الى هجوم من قبل لصوص يجهلون قيمة هذا الشخص، لسرقة ساعته وماله، قاومهم رايدر بشجاعة رغم كبر سنه، فهو لاعب جودو، لكن العصابة تمكنت منه، واخذت ما ارادت.. بعد هذه الواقعة ظل صامتاً يشعر بالانكسار والقهر ثم ساءت حالته وتوفى في تشيلي.  نقل جثمانه الى مصر، وتم تشييع جنازته بشكل رسمي وحضرت مراسيم العزاء السيدة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وآخرون.