كيف عُثر على فيلم {الريح تلعب الشطرنج}؟

ثقافة 2024/04/01
...

 ترجمة: نجاح الجبيلي


 نادرًا ما يكون العثور على فيلم ضائع قصة رائعة مثل الفيلم نفسه، ولكن هذا هو الحال مع فيلم "الريح تلعب الشطرنج" للمخرج الإيراني محمد رضا أصلاني. فقد عُرِضَ مرتين فقط في طهران عام 1976، مرة في سينما مليئة بالنقاد العدائيين، ثم في صالة فارغة، وقد أدت المراجعات السيئة للفيلم عملها في النيل منه.
يقول أصلاني، البالغ من العمر الآن 76 عاماً، والذي ما زال يعيش في طهران: "إن العثور على هذا الفيلم أمر رائع بالنسبة لي. لكنه يسمح أيضًا للجمهور بمشاهدة السينما الإيرانية من منظور آخر، واكتشاف مخرجين سينمائيين آخرين، تم تهميشهم بسبب التكوين المعقد لأفلامهم."
انتقد الفيلم حكومة الشاه الملكية، لكنه أظهر جرأة في خرق "التابوهات" الدينية والاجتماعية، الأمر الذي لم يكن محببًا في عهد الجمهورية أيضًا. وفي السنوات المضطربة سياسيا التي أعقبت الثورة عام 1979، جرى حظر الفيلم، ثم ساد الاعتقاد بأنه مفقود. تقول ابنة المخرج غيتا أصلاني شهرستاني: "زعم النقاد في إيران وقت صدوره أن الفيلم يتصف بالغموض، وأن والدي كان يحاول فقط أن يصنع فيلماً فكرياً، كتقليد للسينما الأوروبية". لكن أصلاني شهرستاني كانت مصممة على عدم ترك إرث والدها. وهي كاتبة وأكاديمية مقيمة في باريس، وكانت مؤهلة بشكل فريد لهذه المهمة. تقول "منذ حوالي سبع سنوات كنت أعمل على رسالة الدكتوراه حول سينما المؤلفين في إيران، وكان هذا الفيلم جزءًا منها، لذلك بدأت البحث عن الفيلم".

بحث دائب
وبعد أن بحثتْ في أرشيفات الأفلام العالمية دون العثور على نسخة منه، لجأت أصلاني شهرستاني إلى شقيقها أمين، المقيم في طهران، لمساعدتها في البحث. ولم تتمكن من العثور على أي شيء في المختبرات والمحفوظات الإيرانية أيضًا. وبدا كما لو أنّ الفيلم ضاع إلى الأبد. وبعد ذلك، أثناء تصفح أخيها أمين لأحد متاجر الخرداوات، اكتشف كومة من عُلب الأفلام. وعند الاستفسار عما تحتويه، قال البائع إنه لا يعرف؛ لقد كانت العُلب ببساطة معروضة للبيع كعنصر زخرفي. وكما يحدث في القصص الخرافية، اكتشف أمين عند فتحها نسخة كاملة من فيلم والده المفقود منذ فترة طويلة. وما زالت النسخة المطبوعة محظورة في إيران، وقد تم تهريبها خارج البلاد عبر خدمة توصيل خاصة إلى باريس، حيث بدأ العمل على ترميم الفيلم، تحت إشراف مؤسسة مارتن سكورسيزي غير
الربحية.

تأثيرات غربيَّة
  قصة الفيلم تدور في أجواء قوطية عائلية، تلاحق الحظ السيئ لوريثة مشلولة تؤدي دورها الممثلة "فخري خورفاش"، وجهها الأعجف عبارة تنم ملامحه عن اليأس المسيطر عليه في سعيها للحفاظ على استقلالها الهش، فهي محاطة من جميع الجوانب بالرجال المفترسين، زوج والدتها، وأبناء أخوته، والمفوض المحلي، الذين يسعون جميعًا إلى انتزاع ثروتها منها. وتساعدها في مواجهتهم خادمتها، التي تلعب دورها شهره أغداشلو (التي رشحت لجائزة الأوسكار عن دورها في فيلم "بيت الرمل والضباب"). ويضفي التوتر المثير بين السيدة والخادمة نكهة وتعقيدًا على الأحداث الجارية.
تذكرنا التصاميم الداخلية الفخمة والخانقة للفيلم بالمنمنمات الفارسية.
هناك أيضًا شيء من الرعب القوطي لإدغار آلان بو، ويظهر أيضًا تأثير أساتذة السينما الأوروبيين مثل بيير باولو بازوليني ولوكينو فيسكونتي وروبرت بريسون. تتلبث الكاميرا على الأيدي وهي تلف السجائر وتقدم الطعام وتضع البارود في فوهة البندقية، وتجد الجمال في هذه الإجراءات البسيطة. يبرز تصميم الصوت أيضًا: الذئاب تعوي والكلاب تنبح وهي تحلق حول المنزل، مما يزيد من الشعور بالتهديد؛ نعيق الغربان، تثير الأعصاب؛ التنفس الثقيل يجعل عزلة الشخصيات في هذا المنزل المسكون مرهقة بشكل متزايد. الموسيقى التصويرية، وهي عمل مبكر للملحنة الرائدة شيدا قرشيداغي، مستوحاة من الموسيقى الإيرانية التقليدية.

ردود فعل حماسيَّة
وكانت ردود الفعل الأولية على الفيلم المُستعاد حماسية، مما أسعد مخرجه. يقول أصلاني: "لم أكن أتوقع رد الفعل الإيجابي هذا. بالطبع، أنا سعيد جدًا لأن هذا الفيلم يُنظر إليه أخيرًا بشكل عادل، وليس من خلال عدسة تقدّر الدعاية والسينما الشعبوية". ويقول روبن بيكر، كبير أمناء الأرشيف الوطني لمعهد الفيلم البريطاني، "أعتقد أن هذا الفيلم سيكون له تأثير على السينما العالمية، فطموحه استثنائي، وله صدىً يتجاوز بكثير مجال السينما الإيرانية. لقد وجدتُ أنهُ صادم حقًا أحياناً. أعتقد أن هذا سوف يُربك توقعات الكثير من الناس، ليس فقط للسينما، بل للثقافة الإيرانية أيضاَ.