عبد الحليم الرهيمي
يمثل يوم 9 نيسان – ابريل عام 2003 حدثاً مفصلياً مهماً في تاريخ العراق المعاصر، وهو الحدث الذي سبقت ومهدت لحدوثه العديد من الاسباب والعوامل، أهمها وابرزها ثلاثة عوامل تضافرت وأنجدلت بتكامل لأحداث التحرير والتغيير في ذلك اليوم.
أول هذه الأسباب والعوامل هو الدور الكبير والعظيم الأهمية لنضال وكفاح الشعب العراقي ضد نظام الظلم والاستبداد، وافتعال الحروب وتبديد ثروات العراق، وثاني هذه العوامل هو الدور المهم والمثابر لحركة المعارضة العراقية في الخارج، وخاصة قواها المدنية والليبرالية في عكس ذلك النضال وتوضيحه أمام الرأي العام العالمي، وخاصة الدول الكبرى المعنية بتطورات الأوضاع في العراق، وهذا ما سنوضحه بعد قليل. اما العامل المهم الثالث، فهو تمكن المعارضة في الخارج مع عوامل أخرى من إقناع تلك الدول المعنية وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا بمساعدة الشعب العراقي في اطاحة نظام صدام الدكتاتوري الدموي، حتى باستخدام القوة العسكرية، بعد عدم تمكن الشعب والجيش من تحقيق هذا الهدف بنضالاته وتضحياته، وذلك باستخدام القوة الدموية الأكثر من مفرطة لقمعها وإجهاضها.
وكان العاملان الاول والثاني أهم العوامل، التي ساعدت في إقناع الدول المعنية وصاحبة القرار، بالوقائع والتفاصيل عن أوضاع الشعب العراقي وعملية القمع المنظم لتدميره وتدمير العراق كبلد، فضلاً عن سياسة النظام بافتعال الحروب، كما في الحربين ضد ايران والكويت، وحتى التعبير عن نواياه المستقبلية، بشكل وآخر، لشن حروب اخرى ضد السعودية وإعادة احتلال الكويت وضد سوريا وحتى ضد الأردن فيما لو بقى هذا النظام حاكماً، ولن تتم إطاحته في الوقت المناسب.. الراهن!
وبالطبع، كانت جدلية العلاقة المهمة والفعالة بين كفاح الشعب العراقي والمعارضة في الخارج قد تجلت امامهما جدلية هذه العلاقة بوضوح شديد، الامر الذي ما كان للمعارضة في الخارج أن تقنع أحداً ولا دولة من الدول بدعمها ودعم الشعب العراقي، لو لم تتبنَ كفاح وتضحيات هذا الشعب ومخاطر استمرار النظام على الأمن والسلام في المنطقة. وتتجلى أهمية نضال الشعب العراقي في التعبير عنه وتوضيحه لدول وشعوب العالم، اذ لولا عمل ومثابرة وجهود المعارضة في الخارج وسعيها الحثيث لإطاحة النظام لبقي مسيطراً على الدولة والشعب في العراق لسنوات مديدة أخرى، يواصل بها تدميرها واشعال الحروب وتهديد أمن وسلام المنطقة في الوقت نفسه.
لقد كان لهذه الجدلية السياسية الواقعية والتاريخية عملياً الأثر والمبرر القوي والحاسم في اقناع واشنطن ولندن، بشنِّ الحرب لاطاحة صدام ونظامه وفتح الآفاق امام الشعب العراقي للتغيير وبناء عراق جديد بعد التحرير.
هذه الوقائع التاريخية التي باتت معروفة للجميع، حاولت وتحاول الفلول الصدامية السياسية والاعلامية، داخل العراق وخارجه، إنكارها وتغييبها للتقليل من شرعية وضرورة التحرير والتغيير لاحقاً بترديد القول البائس إن واشنطن شنت تلك الحرب بذريعة كاذبة هي امتلاك النظام لأسلحة الدمار الشامل. ورغم أن منع النظام في أيامه الأخيرة المفتشين الدوليين من القيام بعملهم، ورغم تأكيد حسين الشهرستاني الذي يوصف بالخبير بالشؤون النووية على امتلاك النظام لمكونات هذه الاسلحة، فأن هذا يعني أن المسألة صحت أم لم تصح، فإن أسباب وعوامل الاطاحة بنظام صدام أقوى وأشد وأمضى من أية ذريعة أخرى صحيحة أو كاذبة.
وبالعودة إلى دور المعارضة في الخارج لأهميته نشير إلى ان هذا الدور لم يتفعل الا بعد احتلال صدام للكويت وتحريرها، عندها بدأ العالم يستمع لصوت الشعب العراقي الذي جرى التعبير عنه مجدداً بقوة في انتفاضة آذار – مارس عام 1991، غير أن هذه الانتفاضة سرعان ما حملت وجهاً سلبياً، سواء ببعض شعاراتها أو بعض ممارساتها إضافة لتدخل دول إقليمية في أحداثها، الأمر الذي غير بوصلة الحرب إلى التوقف بمنتصف الطريق دون التوجه لإطاحة صدام.
من هنا بدأ نشاط القوى المدنية الليبرالية المعارضة يتقدم على (المعارضات) الأخرى في علاقاتها السياسية مع واشنطن ولندن. ولأن دور حزب الأمة والمجلس العراقي الحر اللذين كانا يترأسهما المرحوم سعد صالح جبر لم يكونا فاعلين، تم التوجه لإبراز دور تنظيم جديد هو (المؤتمر الوطني العراقي)، الذي كان يترأسه الشخصية الليبرالية المرحوم احمد الجلبي، الذي حرص ورفاقه في المؤتمر والحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني إلى الإسراع بإقناع قوى التيار السياسي الإسلامي الانضام للمؤتمر، فعقد في كردستان اجتماع ضم هذه القوى الى الاطار الجديد الذي سمي بـ (المؤتمر الوطني الموحد) وخلال السنوات العشر التالية قام (المؤتمر الوطني الموحد ) بأدوار وجهود كبيرة لخدمة العراق والقضية العراقية لأطاحة نظام صدام، وقد أثمرت جهوده عن دفع الادارة الاميركية آنذاك إلى اصدار (قانون تحرير العراق) عام 1998 الذي سيشكل الغطاء القانوني لأي تحرك اميركي لإطاحة نظام صدام، وقد جرت خلال تلك الفترة حوارات ساخنة بين المعارضة العراقية ممثلة بالمؤتمر الوطني وبين الإدارة الأميركية حول الحرب والوضع ما بعد الإطاحة بنظام صدام.