د. علاء هادي الحطاب
في إطار الرد الإيراني على قصف الكيان الصهيوني لقنصليتها في دمشق، صار واضحاً أنَّ إيران لأول مرة قد نفذت تهديداتها المستمرة منذ انطلاق السابع من أكتوبر العام الفائت مع بداية هذه الحرب، حتى وإنْ لم تحقق طائراتها المسيرة وصواريخها أهدافها الماديَّة من مؤسسات خدميَّة أو مجمعات سكنيَّة، وهذا ما تدركه إيران وما تريده قبل غيرها، فهي لا تريد كما الصهاينة إيقاع أكبر عددٍ من القتلى المدنيين وإنْ كانوا إسرائيليين، كما يفعل الكيان منذ أشهر في قطاع غزة، بل أرادت من خلال هذا الكم الكبير من الطائرات المسيرة والصواريخ إيصال مجموعة رسائل الى داخل الكيان في تل أبيب، وخارجها من دولٍ في المنطقة والعالم، وأهم تلك الرسائل أو الأهداف التي أرادت إيران إيصالها هو امتلاكها هذا الكم الكبير من الطائرات المسيرة والصواريخ، وامتلاكها القدرة التكنولوجيَّة لذلك والقرار الداخلي في استخدامها متى شاءت وأين شاءت، وأنَّ إيران بإمكانها خلق حالة مستمرة من الرعب والخوف والهلع في الداخل الإسرائيلي، الأمر الذي ينتج حالة خلق "توازن الرعب ما بين الكيان الصهيوني ومقاوميه وهذا ما تحقق الى حدٍ ما فجر الأحد، إذ عاش الصهاينة خوفاً ورعباً بالغين وهذا أحد أهداف العمليَّة.
لأول مرة بعد 7 أكتوبر، شعر أهالي غزة بنصرة عسكريَّة من قبل دولة وليس فقط نصرة من قبل فصائل مقاومة أو مجرد نصرة إعلاميَّة، ولأول مرة منذ سنوات طويلة وتحديداً منذ تشرين الأول عام 1973 يواجه الكيان الصهيوني دولة محوريَّة مواجهة عسكريَّة، إذ دخلت المواجهة بين الطرفين الاستهداف المباشر لكليهما، فقد أخطأ رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو في تقديراته بجر إيران الى حربٍ في منطقة الشرق الأوسط، فهو بذلك يسهمُ في تخلي حلفائه عنه شيئاً فشيئاً حفاظاً على مصالحهم، وما حدث في احتجاز السفينة قبل عدة أيام مؤشرٌ على ذلك، فالدول بالتالي تبحث عن مصالحها وسيواجه مشكلات داخليَّة أكبر من السابق نتيجة غياب الاستقرار الأمني وتراجع الاستثمار والسياحة والأمان داخل الأراضي المحتلة نتيجة هذا الرد الإيراني الذي سيتكرر إنْ تكرر الفعل الصهيوني ضد مصالح إيران، من جانبه سيبقى الموقف الأميركي متفرجاً من دون تدخلٍ مباشرٍ ما دام الفعل ورد الفعل مُرضياً للطرفين حتى الآن، فالجو السياسي في واشنطن محتدمٌ نتيجة الانتخابات المقبلة، وأي خطوة ممكن أنْ تؤثر في إدارة بايدن التي تعاني أصلاً من تبعات أحداث حرب غزة. من جانبهم ولأول مرة من حرب السابع من أكتوبر الغزاويون تنفسوا الصعداء، فهناك دولة تمتلك ترسانة عسكريَّة تقاتل من يقتلهم يومياً، بعد تخلي العرب "الحكومات" وليس "الشعوب" عنهم، فضلاً عن البروباغاندا التي صنعتها إيران قبيل الرد والتي هي بالحقيقة أكبر من الفعل، وهذا يندرج في إطار الحرب النفسيَّة التي لطالما نجحت فيها إيران على الأقل عربياً وشرق أوسطياً.