قوات المظليين البريطانية تتدرب لمواجهة مع روسيا

قضايا عربية ودولية 2024/05/14
...

• كيم سنغوبتا 

• ترجمة: أنيس الصفار 


قفز المظليون من طائرتهم طراز "سي- 17 غلوبماستر"، تحت سماء شديدة الزرقة وبقوا عائمين في رياح تهب وتدور. هبطوا مسافة ألف قدم ثم حطوا وسط حقول مجدبة مترامية قبل أن يعيدوا التجمع تحت صف من الأشجار شكل غطاء لمهمتهم المرتقبة. الغاية من هذا الانزال الجوي الذي تنفذه القوات البريطانية والأميركية معاً هو تحضير تلك القوات وإعدادها للاشتباك في معارك على الخطوط الأمامية كجزء من أوسع تمارين يقوم بها حلف شمال الأطلسي (الناتو) على الإطلاق منذ نهاية الحرب الباردة، والهدف هو الاستعداد لمواجهة مع روسيا في إطار المشهد الأمني الأوروبي المتصدّع جرَّاء الحرب الأوكرانية.


مجابهة مفتوحة

لواء الهجوم الجوي البريطاني السادس عشر والفرقة الأميركية 82 المحمولة جواً سوف يكونان جزءاً من قوة الرد السريع متى ما أفلت زمام المواجهة بين الغرب والكرملين وتطوّر إلى مجابهة مفتوحة. أكثر من 90 ألف جندي ينخرطون حالياً في تدريبات عسكرية في سبع دول تمتد من البلطيق إلى البلقان استعداداً لهذا السيناريو الجاهم عندما يسفر. بعد أن صدّت القوات الروسية في أعقاب غزوها الأولي عادت الآن إلى مهاجمة منطقة الدونباس في أوكرانيا، وهي تسعى لفتح جبهة أخرى باتجاه "خاركيف". حتى الآن سقطت خمس قرى في يد هذه القوات قرب ثاني أكبر مدن أوكرانيا، في حين تواصل المدفعية والغارات الجوية دك 30 بلدة وقرية أخرى. أما في واشنطن فقد أقر "جون كيربي"، المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، قائلاً: "من المحتمل أن تحقق روسيا مزيداً من التقدم خلال الأسابيع المقبلة". ثم عاد فأكد أن حزمة الأسلحة الجديدة التي سيجري تسليمها إلى كييف بعد إقرارها من قبل الكونغرس الأميركي سوف تحول دون حدوث اختراقات كبيرة.


قوات الحلف

كان "إيمانويل ماكرون" قد أثار احتمال نشر قوات فرنسية وأخرى تابعة لحلف الناتو لمساعدة أوكرانيا، وهو تحرك لم يلقَ الدعم حالياً من باقي الدول الأعضاء في الحلف. بيد أن تمارين "المدافع الصامد"، التي تشكل قوة الرد السريع في إستونيا بقيادة البريطانيين عنصراً حيوياً منها، تعمل على شحذ تكتيكاتها تحسباً لاحتمال إقدام الكرملين الذي ازداد جرأة على استخدام عضلاته العسكرية في بلدان أخرى كانت ذات يوم جزءاً من الاتحاد السوفيتي. يحاول العميد "مارك بيري"، قائد لواء الهجوم الجوي السادس عشر، التأكيد على أن الهبوط بالمظلات إلى أرض المعركة يبقى تكتيكاً مهماً وصالحاً للتطبيق. قال متحدثاً في "نورمسي"، التي تقع في شمال وسط إستونيا حيث أُجريت عملية الإنزال الجوي: "اعتقد أن الهبوط بالمظلات من القدرات الواقعية إلى أقصى الحدود، ليس فقط لأن له دور في حالات القتال، ولكن لأن له دور أيضاً من حيث أنه يمكّن من الوصول إلى مناطق يصعب الدخول إليها في حالات الكوارث الإنسانية ناهيك عن الأوضاع القتالية. هذا النوع من الانزال يتيح لنا فرض قوتنا بسرعة شديدة، لذا يبقى اللجوء إليه وارداً اليوم، ضمن سياق الغزو الروسي المحتمل، مثلما كان في أي وقت مضى. بل إنه في الواقع مناسب لأي وضع قتالي في أي مكان من العالم".


استثمار في المظليين

أنفقت موسكو قدراً كبيراً من الاستثمار هي الأخرى على قواتها المحمولة جواً في الفترة الأخيرة. فقبل اأربع سنوات نفذ المظليون الروس أول هبوط لهم بالمظلات في منطقة القطب الشمالي على الاطلاق، مزودين بالأوكسجين ثم القفز من حاملة الجنود "إليوشن" من ارتفاع 30 ألف قدم. بعد ذلك نفذت القوة معركة صورية استمرت ثلاثة أيام في تلك السهوب الثلجية المترامية. اعترفت الجيوش الغربية بذلك الإنجاز، ولكنها عبرت أيضاً عن تطيرها مما بدا وكأنه مخطط من قبل الكرملين لفرض مزيد من السيطرة على مناطق أبعد في أعالي القطب الشمالي. لكن القوات الروسية المحمولة جواً منيت منذ ذلك الحين بخسائر كبيرة في أوكرانيا بسبب اضطرارها إلى دخول المعركة كقوات مشاة من دون دعم ناري كافٍ، حيث استخدم القادة قوات النخبة هذه في تنفيذ هجمات بأسلوب الموجات البشرية في منطقة الدونباس وفي الجنوب.


حرب السويس

كانت المرة الأخيرة التي شاركت فيها القوات البريطانية بتنفيذ هجوم جوي في معركة حقيقية ما حدث في العام 1956 عندما هاجمت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مصر بعد إقدام الزعيم المصري جمال عبد الناصر على تأميم قناة السويس. في تلك العملية تمكنت قوة تابعة لفرقة المظليين من السيطرة على مطار عسكري ثم قامت بتدمير الدفاعات الساحلية. 

بيد أن الدول الثلاث المذكورة اضطرت إلى سحب قواتها عندما أعد الرئيس الأميركي "دوايت آيزنهاور"، الذي لم تكن إدارته قد أبلغت بشأن الهجوم على مصر، قراراً في الأمم المتحدة يدين الغزو ومن بعد ذلك فرض اتفاقية لوقف إطلاق النار.


معركة المستقبل

يشعر بعض الجنود البريطانيين الذين شاركوا بالقفز في إستونيا بالاطمئنان والثقة إلى أنهم سيحظون بفرصة لإظهار مهاراتهم في المعركة مستقبلاً. 

يقول العريف "توماس سكيلد"، من الفوج الثالث التابع لفرقة المظليين: "آمل بكل يقين أن يسير الأمر على هذا النحو، فهذا هو ما تدربنا على القيام به. الهجوم الجوي يمنحنا الفرصة لتنفيذ العمليات بسرعة وخفة، إننا مجموعة من المؤهلين القادرين على تنفيذ ما يوكل الينا بما نحمل من معدات بعد وصولنا إلى الأرض".

يقول قاذف القنابل "رايان شيفز" من سلاح مدفعية الخيالة الملكية مضيفاً إلى ما قاله سكيلد: "الأمر مرهون بنوع العملية التي سنزج بها، وأنا اعتقد أن أمامنا فرصة كبيرة للمشاركة في عملية تقليدية. كيف سيكون أداؤنا بمواجهة الروس؟ لا يمكنني الجزم إن كنا سنغلبهم أم يغلبوننا، ولكننا لسنا وحدنا بل نحن جزء من قوة حلف الناتو، ونحن أقوى من روسيا عندما تكون قواتنا معاً".     


•عن صحيفة الاندبندنت