ابراهيم سبتي
في الذكرى الحادية والعشرين لانطلاق «الصباح»، نكون قد سجّلنا بصمة مضيئة في تاريخ الصحافة العراقية، وخاصة بعد عام 2003.
ففي ذكراها السنوية تحمّلنا هذه الجريدة مسؤولية اكبر ككتّاب بأن نفكّر ونبحث على الدوام.. فلم نشعر بأننا أمام منصة اعلامية مؤطرة بمفاهيم غريبة ومحددة، بل ظلت على مدى عمرها المهني جداراً واضحاً ومكشوفاً ووطنياً وصريحاً ومألوفاً، ليس فيه أي التباس أو غموض بفعل قيمها النبيلة التي حملتها منذ انطلاقها وظلت عليها. لقد تميزت جريدة «الصباح» عن باقي الصحف العراقية الكثيرة بعد عام 2003، والتي انسحب العديد منها من الساحة الاعلامية. فيما ترسخت «الصباح» اكثر وظلت واجهة اعلامية ومهنية تتطور وفق مفاهيم الصحافة الجديدة، لتصل إلى القارئ ليس بوصفها صحيفة ورقية يومية حسب، بل لكونها تواكب كل ما يحدث و يجري في البلد بعيدة عن الصراعات أو الانحيازات. وأنها تتكلم بإسم الدولة العراقية ليس إلَّا. ما يثير العجب في هذه الجريدة، ان اغلب المحررين فيها وخاصة في الصفحات المختصة مثل اراء والثقافية وسينما وسواها، انهم من اهل الصنعة أو الحرفة وانهم ليسوا ارقاماً في قائمة الموظفين كُلفوا بتحرير الصفحات، بل إنهم مبدعون اضافوا إلى صفحاتهم نكهة وعناية خاصة دفع بها إلى مصاف الصحف الرصينة الراسخة والتي تتجدد يوما بعد يوم، وهذا الأمر يبدأ من رئيس التحرير حتى آخر محرر فيها فصار جهدا جماعياً مبهراً.. إن أهم ما يجذب القارئ لأي جريدة كانت، هو التزامها وحياديتها وصدقها، وهذا ما وجدناه في الصباح وهذا من اسباب ديمومتها المهمة والتي باتت تتصدر المشهد الاعلامي والصحفي بفعل ما تنشره من مواد مؤثرة وقريبة من الهم اليومي للناس.
فاستطاعت في رحلتها ان تستقطب الاقلام العراقية المهمة في مجال الأدب والثقافة والاقتصاد والتحليل السياسي والخبراء والتي استمر بعضها إلى الان. ان «الصباح» قلبت موازين الصحافة في العراق وصارت تشكل ايقونة للصحف الاخرى ليس لأنها تتنافس مع سواها، انما لكونها اختطت لها طريقاً وشخصية نادرا ما نجدها في عالم الصحافة، وهي تجوب في عوالم متغيرة وتسبح في مياه متلاطمة وتسير على أراضٍ مليئة بالألغام، فسجلت «الصباح» ارادة البقاء وحرية الفعل الإعلامي، وتجاوزت كل الصعاب والاهوال التي مرت بالبلد، وسارت بمهل وابتعدت عن المراوغة والتأويل، وساهمت بنشر الاعتدال والتسامح.
إن «الصباح» في ذكرى تأسسيها السنوية، تضاف إلى مشوارها مسؤولية مضاعفة في بث الروح الاخلاقية في كل مفاصل الدولة العراقية بالحرف والكلمة واحترام حرية الرأي ونشر مفاهيم حقوق الانسان لبناء الدولة الحديثة، من خلال اقترابها من المجتمع وملامسة نبض الشارع واحساسها بمعاناته وهمومه اليومية. إ الاعلام يحتاج إلى قوة لا يمكن ان يصل إلى الناس من دونها، وهي قوة الكلمة ومعناها الوطني الكبير الذي سيكون مؤثرا في كل الشرائح، باعتبار أن الرسالة التي وجدت الصحافة من اجلها، هي رسالة انسانية واخلاقية تسهم في الرقي والتطور وتحذر من المخاطر والمخاوف التي قد تنشأ من بعض الاعلام المزيف والكاذب. انها رسالة تستمد قوتها من قوة موقفها والذي هو سر وجودها واستمرار مشوارها وتبني لها شخصية تميّزها عن سواها.