شاهدٌ وشهيد

آراء 2024/05/19
...

علي الخفاجي

لعل معرفتنا بمصطلح المقابر الجماعيَّة كان يقتصر عمَّا كنا نسمعه ونقرأه من هنا وهناك، اتذكر حينها وفي أواخر عام 2001 وقع امامي كتاب بعنوان (ضحايا ومضحون: تأملات في تاريخ الشعوب)، حيث تم التطرق إلى نماذج من ضحايا قضوا نحبهم نتيجة معارضتهم للأنظمة الحاكمة في بلدانهم، ونتيجة لذلك تعرضوا إلى شتى أنواع العذاب ومن ثم التصفية وكما يذكر الكتاب بان سياسة الانظمة القمعية هو الاعتماد أما على نفي المعارضين أو قتلهم، مستخدمين جميع الوسائل المتاحة، أو ضحايا قتلوا نتيجة الحروب سواء كانت داخلية أو خارجية، كالتي حدثت في إسبانيا من خلال الحرب الأهلية، أو التي جرت بين الكوريتين الشمالية والجنوبية في خمسينيات القرن الماضي، والتي راح ضحيتها اكثر من مليون شخص وعثر على رفات الكثير منهم في مقابر جماعية.
الحديث عن المقابر الجماعيَّة حديث ذو شجون فبعد عام 2003 تعرف العراقيون عن طريق الصدفة ونتذكر جميعا حيث تم العثور على أول واكبر مقبرة جماعية في منطقة المحاويل شمال محافظة بابل، حيث ضمت هذه المقبرة على رفات اكثر من مئتي ضحية غالبيتهم من النساء والشباب والاطفال، وكذلك وأثناء حفر الأساس لمجمع سكني في محافظة النجف الأشرف، تم اكتشاف رفات لعشرات من الضحايا تعود لمرحلة الانتفاضة الشعبانية عام 1991، ومنذ ذلك الوقت استدل الناس وعرفوا بان المفقودين من اقربائهم وإخوانهم وأهليهم ممن كان بحكم المفقودين، هم مدفونون بمقابر جماعية، لكن أين هي المقابر، وظل هذا التساؤل إلى أن أظهرت الوثائق التي عثر عليها في مقار الأجهزة الأمنية السابقة وأبنية الأمن العامة والمخابرات، حيث تم العثور على اكثر من ست ملايين وثيقة ومستند على مختلف الأصعدة والعناوين، وكان من ضمنها دلائل استرشادية ومخاطبات للجهات العليا، عن أماكن المقابر الجماعيَّة وأسماء الضحايا وعناوينهم، المقابر الجماعيَّة وغيرها من الدلائل الدموية، تعتبر خير شاهد على حقبة زمنية عاشها العراقيون لفترات طويلة من الزمن، استخدم فيها النظام الصدامي، ومن خلال جلاوزته جميع الطرق والأساليب التي من شأنها أن ترهب شعبًا باكمله، وكما أن هذه الدلالة تعد جرحا نازفا لم يلتئم وما زال أهالي الضحايا يستفيقون بين الحين والآخر عن أنباء عن اكتشاف مقابر جماعية في هذا المكان أو ذاك، حيث تذكر المؤسسات المعنية بأن ما يقرب من 700 مقبرة جماعية تم اكتشافها لغاية الآن، وعلى ما يبدو بان العدد قابل للزيادة، طالما هنالك الكثير من الضحايا لم يعرف لهم اثر.