محمد صالح صدقيان
مرة أخری تشهد المنطقة حوارا عن العلاقات العربية الإيرانية وهو الملف الاكثر سخونة لدول هذه المنطقة في ظل مقاربات مهمة، تحدث بين طهران وعديد العواصم العربية سواء ماتشهده العاصمة الايرانية مع العاصمة المصرية أو مابين طهران وعمان، وحتی ما تتطلع له طهران مع بقية العواصم العربية أو الخليجية وفي مقدمتها الرياض.
لا أريد تجاهل الانتقادات التي تنطلق من أكثر من عاصمة عربية، ولربما جميع هذه العواصم من المواقف الايرانية والبرامج التي تتبناها طهران خصوصا ما يتعلق بالقضايا التي تهم الدول العربية وتحديدا في مايخص دول الشرق الاوسط ؛ هذه المنطقة التي تٌعتبر اكثر سخونة للمواقف الايرانية لاحتضانها “محور المقاومة” ضد الكيان الاسرائيلي، الذي بات البرنامج الذي تستند عليه طهران في علاقاتها الاقليمية حيث اصبح السلوك الايراني مقلقا لعديد الدول في هذا الاقليم.
الاسبوع الماضي احتضنت طهران حوارا عربيا ايرانيا بجهود قام بها المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، بالتعاون مع مركز الجزيرة للدراسات بمشاركة نخب سياسية وفكرية عربية وازنة وأخری ايرانية تعمل في المجال الدبلوماسي والاكاديمي والبحثي.
هذا الحوار هو النسخة الثالثة من سلسلة الحوارات، التي التزمت بها المؤسستان التي عرفت عن نفسيهما بانهما غير حكومية وغير رسمية، وانما تعمل من اجل خلق ارضية للحوار بشان القضايا والملفات التي تتقاطع فيها المواقف والاراء بين الجانبين.
أهمية هذا الحوار ياتي من خلال كون المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الذي يرأسه وزير الخارجية الايراني الاسبق كمال خرازي، هو مؤسسة استشارية تتبع مكتب المرشد الايراني الاعلی الامام علي الخامنئي، وهو ما يؤشر علی رغبة النظام في ايران ودعمه للحوار العربي الايراني، وصولا الی فهم مشترك أو علی الحد الادنی من الفهم من اجل معالجة المشاكل والعوائق التي تقف حائلا دون ترطيب العلاقات بين ايران والدول العربية.
مشاركتي في هذا الحوار وفرت المجال للتعرف والمساهمة في مناقشة المواضيع والملفات التي طٌرحت ؛ وهي ملفات تم اختيارها بعناية وحساسية، كما نقل معاون المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الدكتور عباس عراقجي.
ففي هذا الحوار الذي امتاز بفهم وبمستوی متقدم، تمت مناقشة ثمانية ملفات علی مدی يومين، كانت هي الملفات الاكثر حساسية وما زالت عند النخب والمفكرين العرب والايرانيين اضافة الی اهميتها للانظمة السياسية في هذا
المنطقة.
- دور الشرق الأوسط في النظام العالمي الجديد.
- الامن ذاتي المنشأ في الشرق الأوسط ومتطلباته.
- حرب غزة وتداعياتها الاستراتيجية والجيوسياسية علی المنطقة.
- مستقبل قوی المقاومة الفلسطينية والدولة الفلسطينية.
- الحرب والسلام في اليمن وأبعادها الاقليمية والدولية.
- سوريا.. افق الحل السياسي واعادة البناء الاقتصادي.
- التعاون الاقتصادي ودوره في امن المنطقة.
- التعاون النووي السلمي في المنطقة.. أساس لبناء الثقة المتبادلة.
وفي حقيقة الامر فان مثل هذه العناوين العريضة والكبيرة لم تعطِ الفرصة الكافية لاشباع مناقشتها؛ وان كان هناك تفهم من المشاركين للراي والري الاخر الذي تم طرحه خلال المناقشه ؛ خصوصا وان الحوار افتقد لمشاركة جهات حكومية، سواء من قبل ايران أو الجانب العربي، ما عدا وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان، الذي القی كلمة توجيهية في الجلسة الافتتاحية دون دخولها في صلب الحوار.
ومما لاشك فيه ان تكرار مثل هذه الحوارات سواء في طهران أو بقية الدول العربية؛ بين النخب والاكاديميين والمثقفين والباحثين من كلا الجانبين يساهم بخلق ارضية مهمة للحوار والتعرف علی تصورات الجانب الاخر والتوصل الی مشتركات تخدم الامن الوطني لبلدان المنطقة والامن الاقليمي علی حد سواء؛ اضافة الی ان انشاء قنوات رسمية للحوار بين الدول العربية وايران يخلق حالة متقدمة في فهم الاخر والوقوف علی البرامج والمواقف التي تقلق الاخر.
ان دول المنطقة تعاني منذ سنوات من ظاهرة فقدان الثقة؛ ومثلما هناك قلق عربي من ايران؛ هناك قلق ايراني من المواقف العربية ؛ وبالتالي فان الضرورة تستوجب تعزيز حالة الحوار وثقافة الحوار من اجل التوصل الی فهم مشترك للقضايا الشائكة المطروحة.
أنا علی يقين أن اجتماعا واحدا أو عدة اجتماعات.. مؤتمرا واحدا أو عدة مؤتمرات لن تستطيع من ردم الهوة في مواقف الطرفين لكني علی يقين ايضا ان مثل هذه الحوارات، سواء كانت رسمية ام غير رسمية سوف تخلق أو تساهم بخلق بيئة لفهم الاخر مهما اختلفنا معه ومهما كنا بعيدين عن توجهاته بشان مختلف القضايا المطروحة.
أنا اتحدث عن التواجد الاجنبي في المنطقة ؛ والتطبيع مع الكيان الاسرائيلي ؛ والموقف من الاحتلال الاسرائيلي ؛ والموقف من “محور المقاومة” ؛ وفي نهاية المطاف “الامن الاقليمي”.
انحاز للنخب العربية وأنظمتها السياسية من أن ايران مدعوة لتوضيح موقفها بشكل واضح وشفاف بشأن هذه الملفات.
ماذا تريد من الدول العربية؟ كيف تنظر للأمن الإقليمي؟
عند أي نقطة تقف الطموحات الايرانية ؟ وعندما تقول طهران ان امنها القومي يمتد لشواطئ البحر الابيض المتوسط؛ ماذا تعني بذلك ؟ وهل هي فعلا تريد أن تحارب بغيرها من اجل تحقيق مصالحها؟ أنحاز ايضا للجانب الايراني الذي يقول ان الجانب الاخر لايريد ان يفهم ماذا تريد ايران حتی وان عبر الشواطیء والوديان لشرح ذلك ؟
وأنحاز ايضا عندما يقدم الاخر فاتورة لايران ويطالب بتنفيذها دون ان يقدر مع من يتحدث.
كما أنحاز عندما يجهل الاخر قواعد الحوار والتاريخ والجغرافية.
إن الجانبين في زاوية حرجة تحتاج الی تدوير المواقف وتقريبها للوصول الی حد ادني من الفهم المشترك لمواقف الجانبين والانطلاق، نحو مسار يضمن الاتفاق علی المشتركات ومحاولة حل الاختلافات باقل الاضرار.
هناك تفهم كامل إلی أن مثل هذه الأفكار ليست بالسهلة وهي في صورة منها مثالية وقد تكون رغبات.. لكن السهل ان نضع اقدامنا علی بداية طريق الميل الذي يمكن ان نصل من خلاله الی نهاية الطريق.