مصر وإسرائيل إلى اتفاقاتٍ جديدة أم تعميقٍ للخلاف؟

آراء 2024/05/21
...

سناء الوادي

مئتان وأربعة وعشرون يوماً مرَّت عجافاً على الفلسطينيين في قطاع غزَّة لم يشاركهم أحد في مرارةِ ما عانوه حتى هذه اللحظة كما دولة مصر، فتراها كذئبٍ حارسٍ وَفيٍّ وقف بكامل شراسته أمام
مخطط التهجير المحضَّر مسبقاً لأهل القطاع فلا يمكن لأحد أن ينكر
الجهود المصرية منذ الأيام الأولى للطوفان، والتي انصبت تارةً على الوساطة لإدخال المساعدات الإغاثية عندما ضغطت بمنع الأجانب من الخروج من
الجانب الإسرائيلي عبر مصر إلا بالموافقة على إدخال الشاحنات وتارةً أخرى بسعيها الحثيث محاولةً وأطرافاً عدَّة التوصل لاتفاقات هدنة توقف معاناة الغزيين بما يحفظ حقهم الأزلي بالموجودية على أرضهم، لا سيما عندما كشفت الهدف الإسرائيلي وراء دفع أهل القطاع
جنوباً وتحشيدهم في منطقة المواصي الساحلية المحاذية للحدود المصرية والتي يسهل التسرب منها بحراً لهشاشة تحصيناتها الحدودية ومن ثمَّ اللجوء لمصر، وها هي اليوم تكمل ما بدأته فقد أغلقت الجانب المصري من معبر رفح
مباشرة إبان سيطرة سلطة الاحتلال على المعبر بشقه الفلسطيني، رافضةً التعاون والتنسيق معهم، فهم مَنْ خرق اتفاقية المعابر الموقعة بين الجانبين عـــام 2005م ونشـــروا الدبابات الإسرائيلية على طول محور فيلادلفيا ورفعوا العلم الإسرائيلي كبدايةٍ لاجتياح مدينة رفح، ضاربين بشرعية إدارة الفلسطينيين لهذا المعبر منذ تسلّمه في العام2007م عرض الحائط، فما كان من القاهرة أيضاً إلا أن تعبّر عن غضبها مما تقوم به حكومة نتنياهو من المماطلة والشدَّ والجذب في المفاوضات التي تُجرى غالبيتها في القاهرة وتحت رعايتها بالخروج للمرة الأولى من دورها كوسيط والوقوف وجهاً لوجه أمام تل أبيب بدعم دولة جنوب إفريقيا في دعواها أمام محكمة العدل الدولية والتي اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق فلسطينيّ
غزة.
هذا وقد وُصف ما يجري بأنّه توترٌ غير مسبوق بين الجانبين وتتصاعد حدة الخلافات أكثر فأكثر في ظلّ القلق البالغ في الأوساط الإسرائيلية وما يشاع حول نية مصر خفض العلاقات الدبلوماسية من خلال سحب سفيرها من تل أبيب، ووفقاً لتقريرٍ نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في 14 أيار الجاري بأنَّه من مصلحة كلا الطرفين الحفاظ على القنوات الدبلوماسية ولو بالحدّ الأدنى فقد خَلُص التقرير إلى أن إسرائيل الآن بحاجة للقاهرة أكثر من أي وقت مضى لوساطتها في صفقة تحرير الرهائن ناهيك عن حاجتها المستقبلية لتحقيق الاستقرار المستقبلي في غزة مهما كان السيناريو المطروح.
وفي هذا الإطار فالعلاقات المتوترة بين الجانبين تشكل تحدياً كبيراً لواشنطن نظراً لكونها وسيطاً رئيسياً في المحادثات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل ومن غير المعقول أن تسمح بأن تسوء الأوضاع فتتبدّل حالة سلامٍ عمرها 45 عاماً كانت فيها القاهرة السبّاقة لاتفاقيات التطبيع الدبلوماسي والاقتصادي مع هذا الكيان، وهو ما دفعته ثمناً لاسترجاع سيناء لأحضانها إلى حالة حرب مع جيش مصر الذي تخشاه إسرائيل، ناهيك عن مصير اتفاقيات التطبيع لبعض الدول العربية والتي أعقبت الخطوة المصرية وهو ما قد يشكل صخرة تسدُّ طريق السلام وهو ما قد يغيّر شكل الصراع العربي الإسرائيلي ويذهب به إلى منحى لا تنشده أمريكا
أبداً.
وضمن هذا السياق تجسّد تهديد الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بتعليق صفقة الخمسة آلاف قنبلة غبية لمنع الانزلاق إلى ارتكاب مجازر دامية في رفح التي نزح إليها قرابة المليون مواطن من كافة مناطق القطاع، آمِلاً بكبح جماح بنيامين نتنياهو بيدَ أنَّه آبى إلَّا أن يستفيض بوقاحته في حديثٍ لشبكةCNBC الأمريكية متهماً مصر بأنها تحتجز سكان غزة كرهينة وترفض التعاون معها بشأن المعبر، متجاهلاً بذلك وجود ستة معابر أخرى تستولي عليها سلطته من بينها معبر كرم أبو سالم والتي يمكنه منها إغاثة الشعب الجائع في غزة دون قذف الطوب على الجانب
المصري.
هل ستحمل الأيام القادمة قبول مصر بترتيبات جديدة في معبر رفح أم سترفض كما فعلت فحسب ما نقلت وكالة رويترز عن مصدرين أمنيين مصريين الخميس الفائت عدم قبول القاهرة مقترحاً اسرائيلياً يقضي بإيجاد آلية جديدة لإدارة المعبر بعد انسحاب إسرائيل منه بمشاركة فلسطينيين تقترحهم القاهرة ولتل أبيب حق رفض أيا منهم وبمساعدة أممية فضلاً عن وجود إسرائيلي لحماية المعبر من هجمات حركة حماس ومنع غير المسموح لهم بالسفر
 عبره.
من الصعب التكهن بمآلة العلاقات المصرية ــ الإسرائيلية مستقبلاً حيث أنه من مصلحة الجميع الحفاظ على السلام المتفق عليه سابقاً وألَّا تتسع رقعة الصراع، وهل مازالت لدى مصر أوراق ضاغطة ستستعملها في حال تفاقمت الخلافات هذا ما سيتكشف لنا تباعاً.

 كاتبة وإعلامية سورية