تهديدات الصحة النفسيَّة زمن الانتقال إلى الديمقراطيَّة

آراء 2024/05/22
...

 سعد العبيدي 


إن الانتقال في نظم إدارة الدولة من الديكتاتورية إلى الديمقراطية كما هو حاصل في العراق، يمثل تحدياً كبيراً، وثمناً يدفع في كل المجالات، بينها الصحة النفسية للفرد والمجتمع، وإذا ما تجاوزنا في مسائل الكلف واثمانها لما يتعلق بالاقتصاد، والسياسة، والأمن التي بانت فيها التكلفة واضحة، وركزنا على الصحة النفسية للفرد والمجتمع كثمن يدفع، نجد أن الانتقال بالطريقة القائمة حالياً بانت تأثيراته واضحة على الصحة النفسية، إذ أن سني الانتقال العشرين الأولى كانت مليئة بمثيرات عدم الاستقرار، مما زاد مستويات التوتر والقلق، ودفعت بهما أن يكونا مزمنين، منتجين اضطرابات نفسية، كان الاكتئاب وما زال أكثرها شيوعاً، كما أن كثرة الاجتهادات المفاجئة من أصحاب النفوذ على المستوى الديني والسياسي والاجتماعي، وتوجه بعضهم إلى استخدام السلاح المليشياتي كأدوات للسياسة، أسهمت جميعها في خلق بيئة مملوءة بالخوف والضغوط النفسية، وإنتاج قدر من الاحباط، وخيبة الأمل، وعدم رضا عن العيش، وتوجه إلى الطلاق، والمخدرات، والشذوذ، والايغال بالفساد، وفي الحالات الشديدة التفكير بالانتحار، والأخرى الأشد تنفيذ الانتحار فعلياً. 

إن المشكلة الأكثر تعقيداً في عملية الانتقال، هي إن العراقيين في ظل النظام الديكتاتوري كانوا قد تبنوا هويات، وسلوكيات معينة أعانتهم على البقاء على قيد الحياة، وان الانتقال يفرض بالضرورة إعادة تقييم هذه الهويات، لكنهم لم يتبنوا هويات وطنية جديدة في سياق إعادة التقييم، بل وتوجهوا بتطرف لتكوين هويات فرعية مما تسبب في شيوع الارتباك والإحساس بالضياع، وعدم ثقة بالدولة وبين المكونات، مما أثر في الشعور العام بالأمان والرضا عن الذات والدولة. 

ومحصلة القول إن عملية الانتقال كانت وما زالت عسيرة، وستستمر هكذا عسيرة إلا إذا بادرت السياسة في تجاوز ضعفها، ونفذت إصلاحات حقيقية، وفعلت صيغ المجتمع المدني الحقيقي، وقدمت دعماً نفسياً واجتماعياً من أجل التخفيف من آثار الانتقال، وأوجدت استراتيجيات شاملة للصحة النفسية، بالتركيز على تقديم الرعاية، وتخفيف الضغوط، لضمان تكيّف نفسي صحي، ومستدام لتغيرات التحول شبه المحتومة.