نوزاد حسن
حين أجد نفسي جالسا في سيارة تقف في طابور طويل بسبب الازدحام احدّث نفسي في مونولوغ طويل عن مستقبل شوارعنا، وكيف سنواجه مثل هذه الازدحامات في غضون سنوات قريبة قادمة. وغالبا ما أفكر بوجهة نظر المعماري الشهير ابن بغداد رفعة الجادرجي، ترى ما الذي سيقوله الجادرجي اذا شاهد مثل هذه الازدحامت القاتلة، التي تثير انزعاج الناس كل يوم. بكل تأكيد سيصدم كما نصدم يوميا. اذ يكفي أن يهدر الإنسان ساعة كاملة أو أقل في شارع يغص بسيارات تدخل إلى البلد دون انقطاع. حركة صاخبة لكل أنواع العجلات، وكأن بغداد هي دلهي صغيرة مع استثناءات قليلة هي عدم وجود عربات الريكشا وهي دراجة هوائية، يلحق بها مقعد مغطى يجلس فيه الراكب، ولا مشكلة أن يكون الجالس امرأة وليست رجلا.
في شوارعنا هناك ضجة كبيرة تصيب أقوى الآذان بمشكلة في العصب السمعي. هل هذه سمة بغدادية بامتياز؟. المهم تقول الاحصائيات إن مجال الشهوة مفتوح على مصراعيه لشراء مختلف انواع السيارات. وتكاد احصائية اخيرة تثير القلق تقول إن مواطنا واحدا من اصل خمسة مواطنين يملك سيارة. ولن يبقى هذا الرقم على حاله بل هو قابل للزيادة. وهذه الزيادة ستجعل من شوارع العاصمة معركة نفسية، يدخلها البغدادي ويخرج منها محطم الاعصاب، ليعود في اليوم التالي إلى معركته التي لا تنتهي.
هل امتلاك سيارة يعني أننا مترفون؟ أظن أن الأمر أعقد من هذا التصور البسيط. واذا ما ترك الامر على حاله دون تحديده بقوانين صارمة فسيأتي يوم تكون فيه الحركة مستحيلة. وهذه مشكلة خطيرة جدا لا تقل خطورة عن البطالة والانفجار السكاني وتغير المناخ.
اذن لا بد من معالجة حقيقية لهذا التدفق المرعب لهذه الاعداد الكبيرة من السيارات. ومن حق أي مواطن يعشق بغداد أن يخاف على عاصمته من هذا السم البطيء الذي يشوهها، بحيث لم نعد نملك اي تفاؤل في السيطرة على الوضع.فالشوارع تخضع لضغط حركة يومية مزعجة لا تخف الا يوم الجمعة. في هذا اليوم تخف وطأة الازدحامات وتتنفس بغداد بحرية. لذا أفضل أن اخرج وحيدا لمعرفة الوجه الاخر للشوارع، وللمدينة التي تنتظر حلا يخلصها من اختناقات لا تنتهي، وتصيبنا بإزعاج حقيقي.